للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي ظني أن النماذج السابقة كافية لإعطاء الحدود العامة والخطوط الرئيسة لهذه المدرسة، والاتجاه الفكري لأصحابها، ومع ذلك قد يبدو من المناسب، إضافة بعض نماذج من أصحاب الأفكار المتناثرة، ونقدمها أيضًا متناثرة.

يكتب أحدهم تحت عنوان: "قيل وقال لا تصلح غذاء للجيل المسلم"، يقول: إن إسلام كتب الفقه وكتب التفسير المتداولة اليوم لا يعطي صورة صحيحة عن الإسلام، وينادي بإلحاح للقيام بتكوين صورة جديدة وتطور حديث للفكر الإسلامي، وتغيير صورة الإسلام التي تكونت قبل ألف سنة، حسب مقدرة الناس وظروف مشاكل ذلك العصر، ولم تعد صالحة ولا مناسبة لعصرنا، وأن الجيل المسلم المعاصر لا يرضى أن يعيش عالة على (قيل وقال) " (١).

ويكتب آخر داعيًا إلى ضرورة التمييز بين بشرية النبي - صلى الله عليه وسلم - ونبوته لأن "النبي - صلى الله عليه وسلم - بشهادة القرآن وحكمه الذي لا يرده كلام فلاسفة ولا متكلمين بشر مثلنا يوحى إليه وأن بشريته حاضرة في نبوته"، ولهذا يرى أنه لابد من تحديد ما يعد تشريعًا وما لا يعد من أقواله وأفعاله، ولابد من التفريق بين ما هو من العادات وما هو من العبادات، ولابد من بيان ما فعله - صلى الله عليه وسلم - اجتهادًا منه تحقيقًا لمصلحة جزئية يومئذ وليس من الأمور اللازمة (٢)، ويدعو الكاتب نفسه أيضًا إلى التمييز بين الشريعة والفقه، ويعرف الشريعة بأنها الجزء الثابت من النصوص القطعية في ورودها ودلالتها، أما الفقه فهو تفسير الرجال لهذا الجزء الثابت، ويرى أن فائدة هذا التمييز أن الفقه اجتهاد بشر، وخطؤهم وصوابهم ليس تشريعًا، ويرى أن الفقه هو الجزء المتغير من تراث الإسلام (٣).

ويتوسع آخر في بحث تقسيم السُّنَّة إلى تشريعية وغير تشريعية ويرى أن أغلب المروي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو من النوع الثاني فيقول: "ويلاحظ كون أغلب تصرفات الرسول مبناه التبليغ، قول قد يصل الباحث إلى خلافه عند إمعان النظر


(١) "قال: وقيل لا تصلح غذاء للجيل المسلم" حسين جوزو، مجلة العربي الكويتية ص ٥٤، عدد ٢٣٨ رمضان ١٣٩٨ هـ (سبتمبر ١٩٧٨ م).
(٢) أحمد كمال أبو المجد، "مواجهة مع عناصر الجمود في الفكر الإسلامي المعاصر" ص ٢٠ مجلة العربي عدد ٢٢٢ مايو ١٩٧٧ م، و"الخيط الرفيع بين التجديد في الإسلام والانفلات منه" ص ١٦، مجلة العربي عدد ٢٢٥ أغسطس ١٩٧٧ م.
(٣) المصدر نفسه (مواجهة) ص ١٩.