للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عصورًا بائدة كانت تخلو من المزايا والمحاسن، وكان الناس فيها مصابين بالجهل والرجعية. أما عصره فهو جديد وأبناؤه متنورون متحضرون، متحلون بالعلوم والفنون، ونملك من الأشياء ما لم يحظ به الأولون. هذا الظن الخاطئ وقع فيه الإنسان في كل عصر. مع أننا إذا أغمضنا النظر عن الابتكارات العلمية والتطورات التقنية -التي قد فتح الله أبوابها على الإنسان رويدًا رويدًا- رأينا أن الإنسان لم يدخل عليه أي تبدل منذ الإنسان الأول إلى يومنا هذا: ظل قالب ذهنه نفس القالب، وظلت مواهبه الفكرية نفس المواهب، وظلت أهواء نفسه نفس الأهواء، وظلت متطلبات جسده نفس المتطلبات، وظل نمط تفكيره نفس النمط، لم يحصل أي فرق جوهري في تلك الجوانب أبدًا، وذلك أن الفطرة التي فطر عليها الإنسان ما زالت نفس الفطرة التي فطر عليها سيدنا آدم -عليه السلام-. وهذا هو السر في أن المنكر الذي أصيب به قوم لوط قبل أربعة آلاف سنة مثلًا، نرى اليوم وبعد أربعة آلاف من السنين يصاب به البلد البالغ في التحضر والتطور مثل أمريكا، التي تدعي أنها لا يقارعها بلد في العالم كله في نهضتها ورقيها، ونرى فيها ورثة قوم لوط يربو عددهم على عشرين مليون نفر. فأي فرق يا ترى قد طرأ على الإنسان في فطرته في تلك المئات من القرون.

وهكذا إذا قال فرعون -في قديم الأزمان- لوزيره: فاجعل لي صرحًا لعلي أطلع إلى إله موسى أين هو؟ ومن هو؟ وكيف هو؟ نرى اليوم وبعد ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة مضت على تلك المقولة أنه لما ارتفع القمر الصناعي الأول الذي أطلقته روسيا، إلى مائة وخمسين أو مائتي ميل من الأرض إلى الفضاء، انفجر رئيس وزرائها آنذاك المستر خروتشوف قائلًا: اطلعنا إلى الآفاق السماوية، ولم نجد فيها أي وجود للإله؟ ويعلم من ذلك بداهة أنه لم يدخل أي تعديل على عقلية الإنسان في تلك الحقبة الطويلة من الزمان، التي تشتمل على ثلاثة آلاف وخمسمائة من السنين. لم يتبدل أسلوب تفكيره ونظره إلى الأشياء. نعم إذا حصل هناك فرق في هذا الباب فهو أن فرعون ما كان يقدر في ذلك العصر، إلا أن يبني عمارة شامخة لتحقيق غايته إلى أكثر حد. . . أما منكرو العصر الحاضر وفراعنته فقد تمكنوا من صنع الأقمار الصناعية وغزو الفضاء؛ أي: حصل تطور في التكنولوجيا فقط ولم يحصل أي تطور من الناحية العقلية.

وكما أن الدهرية وجدوا في سالف الأزمان كذلك يوجدون في العصر