للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[استعدوا للحرب]

أحلف بالله ليصدق القراء أن ما أكتبه اليوم قد وقع البارحة، وأنه ليس خيالة من خيالات الأدباء.

أنا رجل أشتغل بالقانون وبالأدب، وأعمل للوظيفة وللجريدة، ولكني أقسم لها وقتي، ولا أقسم لها نفسي؛ فإذا كنت في المحكمة نسيت الأدب، وفرغت ذهني منه، وألقيت عني رداءه. وإذا كنت في دنيا الأدب خلعت ثوب القضاء وخليت فكري من مواد القانون. أما هذه الكلمة فإني أفكر فيها إذ أضع رأسي على الوسادة، وأختار موضوعها، وأكتب في ذهني أول جملة منها، ثم أنام. فإذا صحوت أجدها قد اختمرت في عقلي الباطن ونضجت، فأكتبها دفعة واحدة، لا أقف فيها إلا ريثما أغط (١) القلم، أو أبدل الصحيفة.

ونمت البارحة وفي ذهني موضوع الاستعداد للحرب، والتيقظ له، وما يجب على الحكومة، وما ينبغي للشعب. وكانت ليلة حارة من ليالي الصيف، فجرّت عليّ حرارتها ما أطار مني نومي، ونغص علي ليلتي، وأقامني الآن خائر الجسم، دائر الرأس، ثقيل الأجفان: جاءتني بعوضة، كلما أغمضت عيني تحوم علي وتطن في أذني، فأنهض وأفتش عنها وأستعد لها، فلا أراها،


(١) أغط: من العامي الفصيح.

<<  <   >  >>