للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصحف بالبرقيات والكتب، يطلبون ويلحون في الطلب، يريدون أن يلبسوا بزة الجند ويحملوا السلاح.

الدماء تشتعل في العروق، حماسة ونجدة وكرهاً باليهود وحباً للثأر، والحكومة لا تبالي فلا تطبق نظام الفتوة، وقد طبقوه في العراق -لما كنا مدرسين فيها- فصارت المدارس ثكنات وإن بقيت بالعلم مدارس، شدت الجندية أعصاب الطلاب، وقوت خلائقهم، وردت الدماء إلى وجوههم، والعزم إلى قلوبهم، وقضت على التفاوت بينهم، فلم يبق غني يأتي المدرسة بأغلى الحلل، وفقير بالرث المهلهل، ولكنهم جميعاً جنود، بلباس الجنود.

ونحن -المدرسين- قد لبسنا يومئذ ثياب الضباط، ووضعنا الأشرطة على الأكتاف. ولا أكتم القراء أنّا كنا نجهل (أنا وأنور العطار) كيف نمشي وكيف نرد تحيات الجنود في الطرقات، ولكني -مع ذلك- لم أكن أستطع أن أمشي منحنياً؛ لأن النطاق يشد بجلدته صدري وظهري، ولا أقدر أن أسير متخاذلاً؛ لأن الحذاء الطويل (الجزمة) يقيم رجلي، ولو لم أستفد إلا هذا لكفاني.

فلماذا لا تطبق الحكومة نظام الفتوة في المدارس؟ ولماذا لا تفتح مراكز التدريب في كل حي كما كانت الحال أيام الاستقلال في سنة ١٩١٨، يوم كانت البلد من الحماسة شعلة نار؟ ولماذا يذهب التلاميذ الآن إلى الرحلات بالسيارات، من الباب إلى الباب، فلا يمشون مشية الجند، وينشدون أقوى الأناشيد، وتخفق فوق رؤوسهم الأعلام؟ لقد كنا نمشي في أسواق دمشق وضواحيها ننشد:

نحن لا نرضى الحماية ... لا ولا نرضى الوصاية

فيرددها معنا البائع والشاري والواقف والماشي، حتى الأطفال. ولقد

<<  <   >  >>