للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثاني: نقد العقل النظري]

٩٧ - المسألة النقدية:

أ- ما قيمة معارفنا؟ أو ما النسبة بين معارفنا وبين الوجود؟ تلك هي المسألة المركزية في الفلسفة، والتي يتعين حلها بادئ ذي بدء. لا يرى كنط أن نقد المعرفة يبدأ بالشك المطلق كما هو الحال عند ديكارت. فإن لدينا علمين قائمين لا تختلف فيهما العقول هما: الرياضي والطبيعي، على حين أن ثالث العلوم النظرية، وهو ما بعد الطبيعة، موضع خلاف متصل ولو أن في العقل استعدادًا طبيعيًّا له يدفعه إليه دفعًا. وعلى ذلك يكفي أن نتبين السبب في إمكان العلم الرياضي والعلم الطبيعي، أو شرائط العلم الحق، فيبين لنا في نفس الوقت سبب استحالة الحصول على معرفة ميتافيزيقية، ولعلنا نجد بعد ذلك تفسيرًا للاستعداد الطبيعي للميتافيزيقا في غير الناحية النظرية، أي: في الناحية الخلقية. ولما كانت المعرفة الحقة تقوم في الحكم، وهو الفعل العقلي الذي يحتمل الصدق أو الكذب, بينما المفردات ليست معرفة بمعنى الكلمة ولا تحتمل صدقًا أو كذبًا، كان الواجب علينا أن نستعرض مختلف أحكامنا لنتبين نوع الحكم الذي يعتمد عليه العلم، وننظر في خاصيته وطريقة تأليفه؛ وبذا نكون قد حللنا المسألة.

ب- الأحكام نوعان: أحكام تحليلية وأحكام تركيبية. الأحكام التحليلية هي التي محمولها مستخرج من مفهوم موضوعها، كقولنا: الجسم ممتد، أو: الكل أعظم من الجزء، أي: إنها التي تحلل مفهوم الموضوع إلى العناصر المتضمنة فيه, ثم ترد إليه هذه العناصر بالإضافة. لذا كانت أحكامًا أولية أو قبلية a priori مركبة بدون معونة التجربة، وكانت كلية ضرورية كمبدأ الذاتية الذي تعتمد عليه، وهو المبدأ القائل: إن كل ماهية فهي ما هي. ولكن هذه الأحكام تفسيرية بحتة، لا يزيدنا محمولها معرفة بالموضوع، فلا جدوى منها ولا فائدة لها في إقامة العلم. والأحكام التركيبية هي التي يزيد محمولها شيئًا جديدًا على الموضوع، فتوسع

<<  <   >  >>