للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيضًا: ((إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة؛ الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)).

والودائع التي تدفع إلينا لنحفظها حينًا ثم نردها إلى ذويها حين يطلبونها هي من الأمانات التي نسئل عنها أمام الله يوم القيامة، وقد استخلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند هجرته ابن عمه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ليسلم المشركين الودائع التي استحفظها -صلى الله عليه وسلم- مع أن هؤلاء المشركين كانوا بعض الأمة التي استفزته من الأرض واضطرته إلى ترك وطنه في سبيل عقيدته، لكن الشريف لا ي ت ضع مع الصغار، قال ميمون بن مهران: ثلاثة يؤدين إلى البر والفاجر؛ الأمانة، والعهد، وصلة الرحم.

واعتبار الوديعة غنيمة باردة هو ضرب من السرقة الفاجرة، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة، قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة وإن قتل في سبيل الله فيقال: أد أمانتك، فيقول: أي رب كيف وقد ذهبت الدنيا؟ فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية وتمثل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه فيراها فيعرفها، فيهوي في أثرها حتى يدركها، فيحملها على منكبيه حتى إذا ظن أنه خارج ذلت - أي سقطت - عن منكبيه؛ فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين، ثم قال: الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة؛ وأشياء عددها، وأشد ذلك الودائع.

قال راوي الحديث: فأتيت البراء بن عازب -رضي الله عنه- فقلت: ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود؟ قال كذا، قال البراء: صدق؛ أما سمعت الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} الحديث رواه مسلم.

والأمانة التي تدعو إلى رعاية الحقوق وتعصم عن الدنايا لا تكون بهذه المثابة إلا إذا استقرت في وجدان المرء ورست في أعماقه وهيمنت على الداني والقاصي من

<<  <   >  >>