للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصحاب الأخلاق الرديئة، يقول ربنا: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} (القلم: ١٠ - ١٣) وما أسوأها من صفات يتّصف بها أهل الكفر والضلال، ثم يقول تعالى مهددًا ومتوعدًا ومعجِّبًا من حال الواحد من هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بالمال والبنين، فكفر بأنعم الله، وردَّ وحي الله، وقال في القرآن قولًا يدل على جهله وحمقه: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} (القلم:١٤، ١٥) {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} (القلم: ١٦) أي: سنجعل له علامة في وجهه يعرف بها في الدنيا والآخرة.

ففي الدنيا يضرب بالسيف فيترك السيف علامة في أنفه يُعَرف بها، وفي الآخرة: {تَرَى الَّذِينَ كَ ذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} (الزمر: ٦٠)، وإذا علمنا أنّ هذه الآيات من أوائل ما نزل في مكة، أدركنا ما تحمله من بشرى النصر للمؤمنين، وأنهم سيلقون المشركين، ومنهم أصحاب المال والأولاد في معركة من معارك الحق؛ ليكون للمؤمنين نصر الله، وقد حدث هذا في بدر، وهذا كقوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (القمر: ٤٥) ولما نزلت تعجب عمر -رضي الله عنه- فقال: أي جمع يهزم؟! أي جمع يغلب؟! قال عمر: "فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يثب في الدرع وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}، فعرفت تأويلها يومئذ".

وبيانًا لحال المشركين أصحاب الأموال والأبناء والذين لم يشكروا الله على ما أنعم به عليهم، فكان لهم عقاب الله وعذابه في الدنيا والآخرة، يسوق الله قصة أصحاب الجنة فيقول: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ * إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ} (القلم: ١٧، ١٨) إلى أن يقول: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (القلم: ٣٣) فكيف عرض القرآن هذه القصة؟

<<  <   >  >>