للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تاسعًا: من الأسباب في الوضع؛ طلب الدنيا بذكر غرائب القصص وأعاجيب الروايات يستميلون بها الناس؛ لقد استغل بعض القصاص ميول الفطرة إلى استماع ما كان غريبًا عن الطبائع؛ فكذبوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورووا الأعاجيب والغرائب والأشياء التي لا تصدق؛ يستميلون بها الناس.

روى ابن الجوزي في (الموضوعات) بسنده إلى جعفر بن محمد الطيالسي قال: صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة، فقام بين أيديهِم رجل قاص -يعني: يذكر قصصًا- فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، قالا: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال لا إله إلا الله؛ خلق الله من كل كلمة منها طيرًا منقاره من ذهب، وريشه من مرجان، وأخذ في قص نحو عشرين ورقة؛ فجعل أحمد بن حنبل ينظر إلى يحيى بن معين الذي قال الراوي هذا: إن الرواية عنهما، وأخذ يحيى ينظر إلى أحمد فقال له: أنت حدثته بهذا؟ قال: والله ما سمعت بهذا إلا الساعة، فلما فرغ من قصصه وأخذ القطيعات، ثم قعد ينتظر بقيتها، قال له يحيى بن معين بيده تعالى؛ فجاء متوهمًا النوال، ظنه سيعطيه من الأموال والعطايا الكثير، فقال له يحيى: من حدثك بهذا الحديث؟ فقال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، فقال: أنا يحيى بن معين، وهذا أحمد بن حنبل، ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن كان لا بد والكذب فعَلَى غيرنا، فقال له: أنت يحيى بن معين؟ قال: نعم، قال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق ما تحققته إلا هذه الساعة، قال له يحيى: كيف علمت أنني أحمق؟ قال: كأن ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما، قد كتبت عن سبعة عشرة أحمد بن حنبل ويحيي بن معين، فوضع أحمد كُمَّهُ على وجهه يغطي وجهه، وقال: دعه يقوم فقام كالمستهزئ بهما.

<<  <   >  >>