للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في أنه يشترط الرضا حتى فيما يكون فيه معاوضة؛ لأن التجارة معاوضة من الطرفين، لذلك ينسد الباب على دعاه الاشتراكية الذين يقولون: نحن نعوض عما أخذناه قهرًا، ولسنا نأخذه مصادرة بلا عوض. وفي كلمة "تراضٍ" دليل على أنه يشترط الرضا من الجانبين أيضًا.

أما دعاة الاشتراكية فيقالوا: لن نقبل هذا الحكم، ولم نرض به، وإنما نأخذ من الناس أموالهم قهرًا، ومن العجب أنهم يجبرون الناس على الرضا لأحكامهم، وعلى سلب أموالهم، ولا يجبرون أنفسهم على الرضا بأحكام ربهم العليم الحكيم الرحيم، وهو خالقهم، وتأمل قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}؛ حيث قرن النهي عن قتل النفس بالنهي عن أكل المال بالباطل، فدل على أن الاعتداء على المال قرين الاعتداء على النفس في كتاب الله وحكمه.

أما هؤلاء الاشتراكيون ففرقوا بينهم غاية التفريق، فانتهكوا حرمة المال وأباحوه في حال احترامه وتحريم الله له، وامتنعوا عن استحلال النفس حين يحلها الله؛ فمنعوا القصاص، ومنعوا الرجم، ومنعوا قطع اليد في السرقة، قطع الأيدي والأرجل من خلاف في المحاربين لله ورسوله الساعين في الأرض بالفساد، فتأمل هذه المناقضة التامة لأحكام الله وشرعه، وفي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} دليل على أن النهي عن أكل المال بالباطل، وعن قتل النفس من مقتضيات رحمة أرحم الراحمين، الذي هو أرحم بعباده منهم بأنفسهم، وهو أعلم بما يصلحهم ويدفع الضرر عنهم، وعلى أن تسلط هؤلاء الاشتراكيين على أكل أموال الناس بالباطل منافٍ للرحمة، وإن ادعوا أنهم بذلك مصلحون، وراحمون للخلق، وزخرفوا لذلك القول فإنهم مفسدون وظالمون للخلق {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (البقرة: ٩، ١٠).

<<  <   >  >>