للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكنّهم عجزوا عن معارضته ولو بسورة من مثله، فصاروا يتخبّطون، فتارة يقولون: (هو شعر)، وتارة: (قول كاهن)، وتارة: (أساطير الأوّلين)، لا يثبتون على شيء؛ لأنّهم يعلمون أنّه ليس كما يقولون، وما كان لهم ليغفلوا عن صفة الشّعر ولا صيغة النّثر، وهم أهل ذلك وعباقرته، وإنّما شأنهم شأن من قال الله فيهم:

فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا [النّمل: ١٣ - ١٤].

وهكذا قال أولئك المشركون عن القرآن: هذا سِحْرٌ مُبِينٌ [الأحقاف: ٧]، وقالوا: إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥) [الفرقان: ٤ - ٥]، وقالوا: أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ [الأنبياء: ٥].

فهو سبيل من سبق، وحجّة من لا برهان له، كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ٥٢ [الذّاريات: ٥٢]، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ [فصّلت: ٤١ - ٤٣].

أعيتهم الحيل، وضاقت بهم السّبل، فلجئوا إلى وصف القرآن بما لا يشكّون لو أنصفوا أنّهم فيه مبطلون، لكن أعمتهم الأهواء فأنّى يبصرون.

<<  <   >  >>