للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورأى بعض العلماء أنّه لم يخالف في ثبوت النّسخ أحد من أهل الإسلام، وأنّ ما نسب إلى بعض المتأخّرين فهو على ندرته خلاف منهم في اللّفظ لا في المعنى (١).

واعلم أنّ مبدأ النّسخ ثابت في شرائع الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام، ولا تأتي شريعة رسول على الوفاق التّامّ لشريعة رسول آخر، كما قال الله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [المائدة: ٤٨]، ونعلم أنّ الله تعالى نسخ بعض ما كان من الشّرائع في التّوراة برسالة عيسى عليه السّلام، كما قال تعالى: وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [آل عمران: ٥٠]، ثمّ نسخ الله عن العباد ممّا كان شريعة في التّوراة والإنجيل، وذلك بما بعث به نبيّه محمّدا صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة، كما قال عزّ وجلّ:

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ الآية [الأعراف: ١٥٧].


(١) انظر ما حكاه ابن حزم في «الإحكام في أصول الأحكام» (٤/ ٧٠).
والّذي يشار إليه بذلك الرّأي من المتأخّرين، هو: أبو مسلم الأصفهانيّ، واسمه:
محمّد بن بحر، كاتب مفسّر معتزليّ، ولد سنة (٢٥٤ هـ) وتوفّي سنة (٣٢٢ هـ)، مترجم في «معجم الأدباء» لياقوت (١٨/ ٣٥) و «بغية الوعاة» للسّيوطيّ (١/ ٥٩).

<<  <   >  >>