للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أنّ هذا كاف لأصحاب الهمم العالية أن يشمّروا لأجله عن سواعدهم، ويشغلوا به فضلة أعمارهم.

كما بيّنت أنّ الحفظ يزول بترك معاهدته، يضعف بقلّتها، فيقتضي إبقاؤه أن يديم صاحبه تلاوته آناء اللّيل والنّهار.

وأحسن ما يثبّت حفظ القرآن: الصّلاة به، وأحسنه صلاة اللّيل.

واعلم أنّ حفظ القرآن وتثبيت ذلك الحفظ من جملة العمل الصّالح الّذي ينبغي للعاقل أن يقايسه بسائر الأعمال، فيقدّم عليه من الأعمال الصّالحة ما هو أولى منه، كالواجبات وما هو أجلّ منه من الطّاعات، فإنّ حفظ القرآن كما قدّمنا مندوب إليه، ليس بواجب، فلو

شغل بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، أو بالجهاد في سبيل الله، أو طلب العلم، أو كسب الرّزق، ممّا لم يجد معه سعة من الوقت وفضلة لحفظ القرآن أو بعضه ممّا يزيد على الواجب منه، فينبغي أن يقدّم ذلك الأولى على الحفظ.

وأولئك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أعلم بمراتب الثّواب، فمع شدّة تمسّكهم بالكتاب، إلّا أن حفظ القرآن كان في طائفة قليلة منهم (١).


(١) عن محمّد بن سيرين، قال: «مات أبو بكر ولم يجمع القرآن». أخرجه ابن سعد (٣/ ٢١١) بإسناد صحيح إلى ابن سيرين، لكنّه لم يدرك أبا بكر.
وأخرج كذلك (٣/ ٢٩٤) بنفس الإسناد إلى ابن سيرين، قال: «قتل عمر ولم يجمع القرآن». وهذا كالّذي قبله.
والمعنى فيه أنّهما رضي الله عنهما لم يحفظا القرآن كلّه إلى أن فارقا الدّنيا.

<<  <   >  >>