للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قلت: كيف تكون مندوبة لا واجبة مع أمر الله تعالى بها؟

قلت: لما علمناه من هدي النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو البيان للقرآن.

فعن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبّر في الصّلاة سكت هنيّة قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، أرأيت سكوتك بين التّكبير والقراءة ما تقول؟ قال: «أقول: اللهمّ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهمّ نقّني من خطاياي كما ينقّى الثّوب الأبيض من الدّنس، اللهمّ اغسلني من خطاياي بالثّلج والماء والبرد» (١).

فلم يذكر الاستعاذة، ولو كانت واجبة لبيّنها من جملة ما يقول في سرّه؛ لأنّه لم يأت في شيء من الأخبار أنّه كان يجهر بها في الصّلاة، فحيث إنّ الجهر بها في الصّلاة ليس من السّنّة، وبيّن لأبي هريرة نصّا ما يقوله بين تكبيرة الإحرام والقراءة وليس فيه ذكر للاستعاذة، فدلّ على أنّها ليست على النّاس بواجبة، وحيث إنّه صلى الله عليه وسلم جاء عنه في غير قصّة أبي هريرة ذكر الاستعاذة قبل القراءة، فدلّ على أنّه كان يفعل ذلك أحيانا ويدعه أحيانا.

وكذلك فإنّا نعلم أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن في الأحوال المختلفة، فلم يرد عنه التزام الاستعاذة كلّما قرأ القرآن قليلا منه أو كثيرا، فدلّ أيضا على استحبابها.


(١) حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: ٧١١) ومسلم (رقم: ٥٩٨).

<<  <   >  >>