للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن جهة أخرى فإنّ إطلاق الحديث دلّ على تسويغ كلّ صورة تتمّ عليها القراءة: سواء كانت من جميعهم بصوت واحد، أو يقرأ شخص ويستمع الحاضرون، أو يتابعونه في التّلاوة بصوت واحد أو متفرّقين.

والعجب من طائفة قصدت إلى إنكار المحدثات، وذلك منها خير وعمل محمود، لكنّها بالغت فيه حتّى أنكرت المشروعات، فأنكرت بعض مقتضى هذا الحديث من الاجتماع على ذكر الله وتلاوة القرآن، ففوّتوا على أنفسهم وغيرهم ممّن يتّبعهم خيرا عظيما.

وقد ذكر النّوويّ عن الإمام مالك أنّه قيل له: أرأيت القوم يجتمعون فيقرءون جميعا سورة واحدة حتّى يختموها؟ فأنكر ذلك وعابه، وقال: ليس هكذا تصنع النّاس، إنّما كان يقرأ الرّجل على الآخر، يعرضه.

ثمّ قال النّوويّ: «هذا الإنكار مخالف لما عليه السّلف والخلف ولما يقتضيه الدّليل، فهو متروك» (١).

أقول: يحتمل جدّا أن يكون مالك، رحمه الله، إنّما أنكر تلقّي القرآن عن الشّيوخ بهذا الطّريق فيعتمد عليه الشّخص في رواية القراءة، كما يشعر به قوله «يعرضه»، ولم يرد اجتماع النّاس للتّلاوة (٢).


(١) التّبيان (ص: ٥٢).
(٢) وانظر: «البيان والتّحصيل» لابن رشد (١٨/ ٣٤٩ - ٣٥٠).

<<  <   >  >>