للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرسول - صلى الله عليه وسلم - أقام يدعو بمكة سرا ثلاث سنوات، حتى نزل عليه قوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [الحجر: ٩٤].

فإذا أمكن الجهر بالدعوة ومنازلة أعداء التوحيد بالقوة وجب الإسراع إلى ذلك عند غلبة الظن في توفر الأسباب وانتفاء الموانع.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا يزال هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة» (١) وفي حديث آخر: «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة» (٢) فالصبر على الابتلاء مع أهل الحق، والاختلاط مع الناس لإبلاغ الدعوة إليهم أولى من العزلة عن ذلك (٣).

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم» (٤).

فاللجوء إلى تأييد الظالم وإعلان التخلي والتبرؤ من الجماعة المسلمة ومهاجمتها كوسيلة للإعفاء من الإيذاء والسجن والتعذيب خلاف الأصل فالأصل أن نصبر ونتحمل الأذى ونثبت ولا نتخلى أو نتنكر للطريق الذي ارتضيناه واعتقدنا صحته والجماعة التي اعتقدنا اجتماعها على الحق، لتظل راية الحق مرفوعة يحملها الرجال جيلا بعد جيل، فهذا هو الأصل وإن كان قد يباح لبعض الأفراد والجماعات الصغيرة الذين يشتد بهم الإيذاء بصورة لا يحتملونها أن يلجئوا لمثل هذه التصرفات أو بعضها مع اطمئنان القلب


(١) انظر فقه السيرة د/ محمد سعيد رمضان البوطي (٧٧).
(٢) انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (٢/ ٦٨٨) رقم الحديث (٩٦٣).
(٣) المصدر السابق (١/ ١٤٤) رقم الحديث (٤٠٣).
(٤) انظر الدرر السنية (١١/ ٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>