للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترك واجب أو مقارفة محظور يخصه، فالأمر في ذلك أخف من سابقيه، ولكن إن وافقه شخص قبل الوقوع في المنكر وجب عليه منعه من المنكر، بما يمنع به عادة من هو في مثل حالته، ولو بالضرب أو السخرية والاستخفاف به، فإن النهي عن المنكر واجب، حسب القدرة والاستطاعة (١)، فإن لم يعلم بالمنكر إلا بعد وقوعه، والفراغ منه، نصحه فيما بينه وبين نفسه، وتلطف في نصحه، وأظهر له الشفقة والعطف والرحمة به، فإن رجع عن عصيانه، فهذا ما يقصده الأخ لأخيه، وإن رأى أنه مستمر في معصيته، نظر إلى حاله، فإن كان الهجر لا يزداد به المهجور سوءًا، فإن هجره مستحب، وإن كان الهجر والمقاطعة يجره إلى معصية فوق معصيته، فإن هجره منهي عنه (٢).

وقد اختلف العلماء في مسألة الهجر والمقاطعة، ومسألة المداراة والملاطفة، وما هي القاعدة والمعيار في ذلك، والصحيح والله أعلم أن كل ذلك متعلق بالنية والقصد عملاً بالحديث الصحيح: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» الفرق والنظر بعين الرحمة إلى الخلق نوع من التواضع، وفي العنف والإعراض نوع من الزجر، والمستفتى في ذلك هو القلب، إذ قد يكون الزجر والتأنيب عن كبر وعجب، ونوع من التلذذ بإظهار العلو والإذلال بدعوى الإصلاح، وقد يكون الرفق والتلطف ناتجين عن مداهنة ومصانعة، واستمالة قلب للوصول به إلى غرض من أغراض الدنيا، من مال أو جاه أو شهوة، فعلى كل راغب في أعمال الخير من حب في الله وبغض في الله، أن يجتهد مع نفسه في التفتيش عن هذه الدقائق، ومراقبة هذه الأحوال في سويداء القلب وأعماق النفس، حيث إن مسألة التعامل مع العصاة تشبه إلى حد بعيد مسألة


(١) فضيلة الألفة والأخوة (مخطوطة) الورقة (٣١)، وانظر رسالة في الجهاد للشيخ / عبد الرحمن بن حماد آل عمر ص ٢٢.
(٢) انظر رسالة في الجهاد / للشيخ عبد الرحمن بن حماد آل عمر ص ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>