للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلام والسلام، وقد يضعف فيكون محبوسًا في داخل القلب وذلك أضعف الإيمان ومن الأمثلة العملية على هجران أهل المعاصي ما ورد في قصة كعب بن مالك ومن معه رضي الله عنهم فقد روي عن كعب أنه قال: «ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عن كلامنا، وذكر خمسين ليلة» (١).

وقد رُوي في الأثر عن عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ: «لا تسلموا على شراب الخمر» (٢)، فإن قال قائل: كيف الجمع بين ترك السلام والكلام في الحديث المتقدم وبين حديث: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالي يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» (٣) فالجواب:

١ - أن الهجر المنهي عنه قد يحمل على الهجر الذي يكون سببه البغض من أجل مصالح دنيوية لا من أجل معصية شرعية بحتة.

٢ - أن أحاديث جواز الهجر قد خصَّصَت عموم الأمر بإفشاء السلام كما هو مذهب الجمهور (٤).

٣ - أن الحديث الذي قيد الهجر بثلاث ليال فقط حمله بعض العلماء على ما إذا كان بغير موجب لذلك أو كان الموجب لا يتحمل ذلك، وإلا فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هجر الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك خمسين يومًا وهجر أزواجه شهرًا وبعضهن أقل من ذلك وبعضهن أكثر. وعلى هذا فليس تحديد المدة شرطًا معينًا نظرًا لاختلاف العصاة والمعاصي التي يكون الهجر بسببها، وقد يعترض أحد على ذلك فيقول: لماذا العاصي أو


(١) انظر فتح الباري ج ١٠ ص ٤٩٧.
(٢) انظر فتح الباري ج ١١ ص ٤١.
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ج ١٦ ص ١١٧ (باب تحريم الهجر فوق ثلاث).
(٤) فتح الباري ج ١١ ص ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>