للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصفة العداوة أصيلة فيهم، تبدأ من نقطة كراهيتهم للإسلام ذاته، مرورًا بصدهم عنه، وينتهي بهم الأمر إلى الوقوف في وجهه، وتربصهم بالمؤمنين الدوائر، فهم عندما يتمكنون من المسلمين يفتكون بهم بلا شفقة ولا رحمة، لأن الرحمة لا تعرف إلى قلوبهم سبيلاً، ولا يمنعهم عهد ولا وعد ولا يتحرجون من مذمة، أو قطع مودة قال تعالى: (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) (١).

ولذلك أمر الله بقتالهم في قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (٢) ولكن أكثر الذين يكتبون عن العلاقات الدولية في الإسلام، يهولهم ويتعاظمهم أن يكون الأمر الإلهي هكذا، وأن تكون هذه هي الأحكام النهائية في الإسلام فأجهدوا أنفسهم بتلمس القيود للنصوص المطلقة والأخيرة، من خلال بعض النصوص المرحلية التي نزلت في أول الدعوة.

إن الذين يحاولون تمييع موقف الإسلام في الجهاد، إنما يفعلون ذلك لأنهم يواجهون هجومًا صليبيًا منظمًا لئيمًا ماكرًا خبيثًا يقول لهم: إن العقيدة الإسلامية قد انتشرت بالسيف، وإن الجهاد كان لإكراه الناس قسرًا على الدخول في العقيدة الإسلامية وانتهاك حرمة حرية الاعتقاد عند الآخرين.

والمسألة بهذا المفهوم غير مستساغة، لو كان الأمر كذلك، لكن الحقيقة أن الإسلام يقوم على قاعدة (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (٣) ولذلك انطلق بالسيف مجاهدًا ليوفر للناس الضمان الحقيقي لحرية الاعتقاد، وليحطم الأنظمة التي تكره الناس على الباطل وتمنع وصول الحق إليهم، ليبقى الناس أحرارًا في اختيار العقيدة التي يريدونها، إن شاءوا


(١) سورة التوبة آية (١٠).
(٢) سورة التوبة آية (٢٩).
(٣) سورة البقرة آية (٢٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>