للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا القول يحدد بعض ملامح منهج ابن عباس في التفسير، فهو يؤكد على استناد كثير من التفسير على العلم باللغة العربية، كما يشير أن من آي القرآن ما استأثر صلى الله عليه وسلم تعالى بعلمه، وهو يأخذ عمليا بهذا التوجه، فقد روي أن رجلا سأل ابن عباس عن قوله تعالى: يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ (٥) [السجدة] فقال له ابن عباس: فما يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤) [المعارج] فقال الرجل:

إنما سألتك لتحدثني، فقال ابن عباس: هما يومان ذكرهما الله في كتابه، الله أعلم بهما (١).

ثالثا- التفسير في عصر التابعين:

إن التابعين تلقوا التفسير عن الصحابة، كما تلقوا عنهم علم السّنّة (٢).

واتسعت حركة التفسير في عصر التابعين لازدياد حاجة الناس إليه لفهم آيات القرآن الكريم، بعد أن ضعفت ملكة اللغة وبعد أن دخل في الدين أمم متنوعة اللغات والثقافات، فنشأ في الأمصار الإسلامية جماعة من العلماء اشتغلوا بتفسير القرآن، معتمدين في ذلك على ما تلقوه عن الصحابة، وعلى ما وصل إليه علمهم في فهم آيات الكتاب الحكيم. ويبدو أن هذه الفترة شهدت أولى محاولات تدوين التفسير تدوينا منظما، إذا صح أن جهود ابن عباس كانت تروى رواية، أو أنها لم تدون تدوينا منظما.

واشتهر من علماء التابعين في كل مصر من الأمصار الإسلامية جماعة من المفسرين، خاصة في مكة والمدينة والكوفة والبصرة، أما أهل الشام فإنهم في هذه الحقبة «كانوا أهل غزو وجهاد، فكان لهم من العلم بالجهاد والسير ما ليس لغيرهم» (٣). قال ابن تيمية، رحمه الله: «وأما التفسير فإن أعلم الناس به أهل مكة،


(١) ابن تيمية: مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٧٢.
(٢) المصدر نفسه ١٣/ ٣٣٢.
(٣) المصدر نفسه ١٣/ ٣٤٧.

<<  <   >  >>