للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن حالة الوحي تكررت مرات كثيرة، في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بعثته، وكانت تلك الحالة معروفة للصحابة، وكانت تتسم لحظاتها بالسكينة والوقار، وكان الصحابة يطرقون خلالها بانتظار سماع الوحي الجديد، روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه قال: «وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقضي الوحي» (١).

إن التلقي عن الله تعالى، حتى وإن كان عن طريق الملك، أمر خارج عن معهود الناس، إنه أمر عجيب، لكنه حدث مرات كثيرة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحس بحدوثه كثيرون، ورأوا مظاهره رأي العين، وتلقّوا ثمرته، وهي هذا القرآن العظيم الذي تلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس، وحفظه عنه صحابته، وكتبوه، وعلّموه من جاء بعدهم، وتناقلته الأمة خلال العصور.

[المبحث الخامس حفظ النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن]

أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة دوره الجديد بعد ما نزل عليه قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ (١) [العلق]، ونداء جبريل له: يا محمد أنت رسول الله حقا، ثم نزول قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) [المدثر]. وأن عليه أن يحمل الرسالة الإلهية ويدعو إليها الناس من حوله، وكانت طريقة تلقيه القرآن من جبريل عليه السّلام لا تعطيه الفرصة للمراجعة والحفظ في لحظة التلقي، فكانت هذه الحالة تثير قلقه وخوفه من فقدان شيء من ألفاظ القرآن في وقت تلقيه من الملك.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعجّل في بادئ الأمر في حفظ القرآن، فيسابق جبريل، وهو يلقي إليه القرآن ساعة الوحي، فيردد الآيات قبل أن ينتهي الملك، مخافة أن ينسى منها شيئا، وكان ذلك مما يشق عليه، فجاء القرآن يطمئنه في أول


(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٢/ ١٢٨، والبيهقي: دلائل النبوة ٧/ ٥٤.

<<  <   >  >>