للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإعجاز في الاصطلاح زوال القدرة عن الإتيان بالشيء من عمل أو رأي أو تدبير (١)، والمعجزة أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم عن المعارضة (٢)، وسمّيت معجزة لأن البشر يعجزون عن الإتيان بمثلها (٣).

واشتهر في مجال الدراسات القرآنية مصطلح (إعجاز القرآن) للدلالة على عجز الناس عن معارضة القرآن أو الإتيان بمثله، وهذه القضية قديمة ترجع إلى عصر النبوة، حين وقف المشركون يكذّبون بالدعوة الجديدة، ويصدون الناس عنها، ويزعمون أن القرآن مفترى من دون الله، فتحداهم القرآن أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور أو بسورة واحدة، فعجزوا عن ذلك، ومكّن الله تعالى لدينه.

وبحث العلماء موضوع إعجاز القرآن، حين صارت المعارف علوما، وظهر التأليف في أنواع العلوم التي حدثت في الأمة، ووقفوا عند وجوه الإعجاز في القرآن، وتعددت آراؤهم، وتنوعت مواقفهم، وظهرت الرسائل المؤلفة في هذا الموضوع، وكثرت المؤلفات فيه، في العصور القديمة والعصر الحديث.

ولا يتسع المقام لتتبع كل ما كتب في موضوع إعجاز القرآن، ولكن يلزم دارس علوم القرآن أن يعرف خلاصة ما قيل في هذا الموضوع، وسوف نتناول في هذا المبحث الإعجاز في عصر النبوة، ونتتبع تطور التأليف فيه عند المتقدمين، ونقف عند أبرز اتجاهات دراسة الإعجاز في العصر الحديث.

أولا- إعجاز القرآن في عصر النبوة:

لم يكن مصطلح (الإعجاز) قد تميز في عصر النبوة، وإن كان معناه قائما معروفا، وكانت كلمة (آية) وجمعها (آيات) تعبر عن معنى كلمة (معجزة) وجمعها


(١) الفيروزآبادي: بصائر ذوي التمييز ١/ ٦٥.
(٢) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن ١/ ٦٩، والسيوطي: الإتقان ٤/ ٣.
(٣) سمّى العلماء الامر الخارق الذي يحصل للأنبياء معجزة، وللصالحين كرامة، وسموا ما يجري على يد الفسقة والكفار استدراجا وإهانة.

<<  <   >  >>