للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من قوله تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) (هود: ١٧)، وأفعل من كذا في قوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى) (هود: ١٨)، فالأيات من لدن قوله (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) إلى قوله: (هُمْ الأَخْسَرُونَ) (مبنيات على ما ذكرناه غير خارجة عن هذا المقصود، ولو ورد هنا ((الخاسرون)) مكان ((الأخسرين)) لتنافى النظم وتباين السياق ولم يتناسب.

وأما آية (النحل) فلم يقع قبلها أفعل التي للمفاضلة والتفاوت ولا ما يفهمهما، وإنما قبلها: (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ) (النحل: ١٠٥، ١٠٤)، وبعد هذا (وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (النحل: ١٠٧)، وبعد هذا (وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ)، فتأمل هذذه الفواصل واتفاقها في اسم الفاعل المجموع جمع السلامة في قوم متفقي الأحوال في كفرهم إلى أن ختم وصفهم وما قصد من ذكرهم بقوله: (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الْخَاسِرُونَ)، فتناسبت الآي في السياق والفواصل، وختمت بمصل ما به بدأت، ولم يكن ليناسب ما ورد هنا لفظ المفاضلة، إذ ليس في الكلام ما يستدعي ذلك لا من لفظه ولا معناه، ووضح إختصاص كل من العبارتين بمكانة، وإن العكس لا يلائم، والله أعلم.

الآية الرابعة من سورة هود قوله تعالى في قصة نوح عليه السلام: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) (هود: ٢٨)، في قصة صالح بعد: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً) (هود: ٦٣)، للسائل أن يسأل عن مجاوبة كل واحد من هذين النبيين الكريمين لقومه، لم تقدم المجرور في قول صالح عليه السلام (وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً) على المفعول الثاني من مفعولي أتى التي هو رحمة والوجه تأخيره لأنه فضله كما تقدم متأخرا في قول نوح عليه السلام (وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ)؟

والجواب على ذلك: أن قوم صالح، عليه السلام، بالغوا في أساءت الجواب حين قالوا: (قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا) (هود: ٦٢)، أي قد كنت مرجواً أن تسود فينا حتى نقطع عن رأيك ونرجع إليك من أمورنا، فرموا مقامه النبوي بحط مرتبته عنهم، فلما بالغوا في إساءة الجواب جاوبهم، عليه السلام، ردا لمقالهم الشنيع بقوله: (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً) (هود: ٦٣)، ولا شك أن عليه السلام كذلك، وأنه على بصيرة من أمره، ولكنه خاطبهم على ما يجري في مناظرة من فرض ما لا يعتقده المناظر على حسب نطقه، ولكنه يستنزل بذلك مناظرة ليقيم الحجة عليه، فيقول هب كذا على ما

<<  <  ج: ص:  >  >>