للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ) (النمل: ١)، فقدم هذا الإشارة إلى الضرب المؤخر في السورتين قبل، ويشهد لهذا ويوضحه رعي التقابل المناسب في هذه السور وبناء النظم وبيانه على ذلك، ألا ترى أن سورة الرعد لم تنطو من الضرب الثاني على قصة واحدة، وإنما دارت آيها الاعتبارية على ما به الاعتبار من الضرب (الأول خاصة، وسنعود إلى بيان ذلك بإيراد آيها، وإنما لم يذكر فيها شيء من الضرب) الثاني لأن بناء السورة إنما هو على الضرب الأول، ولهذا لم يشترك المعطوفان في اسم الإشارة إلا أن قوله تعالى: (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ) (الرعد: ١) جملة مستقلة، وقد وقع الموصول فيها وهو الذي مبتدأ خبره الحق، وما بينها صلة، والجملة معطوفة على الجملة قبلها، وكل واحدة منهما مستقلةن ولا تسلط لاسم الإشارة على الجملة الثانية.

أما قوله في سورة الحجر: (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) (الحجر: ١) معطوف على الكتاب المضاف إلى الخبر عن اسم الإشارة وهو آيات وداخل تحت اسم الإِراة، وهو من عطف المفردات وما عطف المفردات وما عطف عليه وشرك معه بخلاف آية الرعد إذا العطف فها من عطف الجمل.

وأما الوارد في سورة النمل فمثل ما في سورة الحجر، وحكم اسم الإشارة منسحب على ما أضيف إليه خبر اسم الإشارة وما عطف (عليه)، وهو من عطف المفرادت أيضاً كآية الحجر، وكلا الآيتين مخالف لما ورد في سورة الرعد، فلما وقعت الإشارة في سورةتي الحجر والنمل إلأى الضربين معاً تضمنت كل واحدة من السورتين مما به الاعتبار ذكر الضربين معاً، ولما اختصت الإشارة في سورة الرعد بالضرب الأول لم يقع إخبار بغير ذلك الضرب، وهذا يرفع كل إشكال فيما تقدم، ومما يزيد وضوحاً فيما تقدم أن سورة الحجر لما قدم فيها ذكر الكتاب قدم فيها من الضربين الضرب المعتبر من آيات اللوح المحفوظ، فقال تعالى: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ) (الحجر: ١٦) إلى قوله: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) (الحجر: ٢٢) الآية، ثم بعد ذلك ذكر مما به الاعتبار من الضرب الثاني في قوله تعالى: (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ) (الحجر: ٥١) إلى قوله: (فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الحجر: ٨٤)، فتأخر ما ورد في هذه السورة من هذا الضرب ليطابق تأخر ذكره في قوله: (وَقُرْآنٍ مُبِينٍ). ولما تقدم في سورة النمل من الاسمين المضاف إليهما خبر اسم الإشارة القرآن وتأخر الكتاب فقال تعالى: (تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ) (النمل: ١) قوبل بتقديم الضرب المشار إليه أولاً، فقال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦) إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ) (النمل: ٦ - ٧). وذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>