للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلام، وأمرهم بتقوى الله، عز وجل، فقال: (إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ) (الحجر: ٦٨ - ٦٩)، ثم عرض عليهم نساء آله وقومه بالوجه المحل لذلك فقال: (هَؤُلَاءِ بَنَاتِي) (الحجر: ٧١)، ونساء قوم كل نبي بنات له، وهو لهم بمنزلة الأب (فلم) يجد ذلك عليهم شيئاً، وعند تمردهم وطغيانهم قال عليه السلام: (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) (هود: ٨٠)، أي عشيرة (وقبيلة) يحمونني، فقالت الملائكة إذ ذاك: إنهم لن يصلو إليك، أي لا سلطان لهم عليك ولا عون، فروي أن جبريل، عليه السلام، نفخ في أعينهم فخرجوا وقد عموا قائلين لمن وراءهم أن عند لوط سحرة أو كما قالوا، ثم صبحهم العذاب: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ) (الحجر: ٧٣)، قال تعالى: (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) (الحجر: ٧٤)، هذه جمل ومقدمات عجائب من الآيات يجول فيها اعتبار المعتبر ويتسع له النظر، ويتوسم منها المتفرس مخائل الهلاك ومقدمات التلف لأولئك الأشرار، فقال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) (الحجر: ٧٥) أي المعتبرين أو المتفرسين والناظرين، فهذا مناسب لما تقدم. ثم لما تحصل من قوله تعالى: (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا) (الحجر: ٧٤) قلب مدينتهم المشاهد أثره مرئياً مشاهداً لمن أتى بعدهم قال تعالى: (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) (الحجر: ٧٦) أي طريق واضح ودليل بين لمن شاهده وأبصره، وذلك أمر مدرك ومعتبر متخذ حاصل لنا تفصيل قصصه بخبر الصادق، عليه السلام، قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) (الحجر: ٧٧)، وقال ((لمؤمنين)) أي للمصدقين المشاهدين أثرهم، فجاء كل على ما يجب، ولم يكن ليناسب المتقدم إفراد آية، ولا جعل العبرة للمصدقين مع ذكر المتوسمين في الأخرى ولا المتأخر ما ورد في الأولى، بل ورد كل على ما يجب ويناسب، والله سبحانه أعلم.

الآية السابعة: غ - قوله تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الحجر: ٨٨)، وفي سورة الشعراء: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الشعراء: ٢١٥)،، فزيد هنا قوله: (لِمَنِ اتَّبَعَكَ) ومقصود الآيتين واحد فللسائل أن يسأل عن وجه التخصيص؟

والجواب عن ذلك: إنه لما لم يتقدم آية الحجر تخصيص بمدعو بل تقدمها خطابه، عليه السلام، بالتأنيس والتسلية عمن أعرض والرفق بمن آمن فقال تعالى: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الحجر: ٨٨)، لم يحتج هنا إلى زيادة. ولما تقدم آية الشعراء قوله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء: ٢١٤)، والإنذار يستصحب التخويف والاستعلاء على من يخاطب به، اتبع ذلك تعالى تلطفاً وإنعاماً على من آمن من عشيرته، عليه السلام، وغيره بقوله: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الشعراء: ٢١٥) فقيل هنا: (لِمَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>