للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب عن الآول: أن أية النحل بنيت على تاخير المجرورات عما تعلقت به، وجرى الكلام جريا واحدا للتناسب والتشاكل، فقيل: لتأكلوا منه، وتستخرجوا منه، ومواخرفيه. ولو قيل هنا: فية مواخر وتقدم المجرور على العامل فبه وهو مواخر اسم فاعل مجموع من المخر وهو شق السفينة الماء بحيزومها لما ناسب ما تقدم مما بنيت الآية عليه وتقدم فى المجرورين قبله.

أما اية الملائكة فمبنية على تقدم المجرور على ما به تعلق (قال تعالى): (ومن كل تاكلون لحما طريا)، وتأكلون العامل فى المجرور الذى هو كل متاخر عنه، فناسب ذلك تأخر العامل أيضا فى المجرور الثانى ليتناسب الكلام ببناء أخره على ما بنى أوله ولم يكن ليصح ما لا يتناسب.

والجواب عن السؤال الثانى: أن أية النحل مبنية على قصد الاعتبار وتعداد النعم وقد اجتمع فى قوله تعالى: (وهو الذى سخر البحر) الآية، مجموع الآمرين من الاعتبار وابداء النعمة بتسخير البحر وأكل اللحم الطرى منه واخراج الحلية للباس ومخر السفن اياه للمنافع والاكتساب، فهذهنعم جليلة، وفى كل منها مجال للاعتبار ومتسع للتفكير والنظر، فلما كان من مقصود هذهالآية تعداد النعم ناسب ذللك عطف بعضها على بعض لانه مظنة اطناب وتفصيل، فقيل: (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضله) (النحل: ١٤)، والمجرور متعلق بفعل التسخير، واستخراج الحلية، وجرى السفن والابتغاء من فضل الله.

وأما أية سورة الملائكة فبينت على ابداء القدرة وجليل الحكمة ألا ترى قوله: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ) (فاطر: ١١)، ثم قال: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) (فاطر: ١٢)، فهذامقصود به الاعتباروالتعريف بانفراده سبحانه بخلق ذلك ابداء النعم وجليل الاحسان، ولكن مقصود الآية وبناءها على ما ذكرنا، ثم تجرد باقى الكلام للتعريف بالانعام والامتنان فقال تعالى: (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) (فاطر: ١٢)، فتعلق المجرور الذى هو لتبتغو باسم الفاعل المجموع اى سخرة للابيتغاء من فضلة، فالابتغاء هنا منجر طي الكلام، والامتناء مقصود، ألا ترى أن مخر السفن كأنه ليس لشيء الا للابتغاء، فلما تعلقت اللام بمواخر من حيث تحمل اللفظ معنى الفعل لم يصح دخول

<<  <  ج: ص:  >  >>