للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على ما قلبه، وإنما ارتباطه بما تقدمه من جهة المعنى، ولا مدخل فيه للعطف مع أن الالتحام حاصل من وجه كما بينا.

وأما آية السجدة فالواو فيها عاطفة على مقدر لما قال الله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا) (السجدة: ٢٢)، كأن قد قيل: أفلا تذكروا ولم يعرضوا: (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ) (السجدة: ٢٦) أولم يبين لهم إهلاك من تقدمهم من القرون، وقال الزمخشري في الواو في: (أَوَلَمْ يَهْدِ) للعطف على معطوف عليه منوي من جنس المعطوف والضمير في لهم لأهل مكة، قلت وهذا هو عين ما قدمنا، وإنما لم تكن الواو هنا لغير العطف لأن الواو لا يستأنف بها بخلاف الفاء كما قدمنا، فاختلف المقصود في الآيتين ووضح وجه مجيء الفاء في آية طه والواو في آية السجدة.

وأما زيادة ((من)) في قوله في آية السجدة: (مِنْ قَبْلِهِمْ) فإنها مقصود فيها استغراق عموم لمناسبة ما تقدم هذه الآية من حصر التقسيم في قوله: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) (السجدة: ١٨) وأعقب: (به) ما يفهمه قوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ) (السجدة: ٢٦)، إذ ليس هنا الوارد كالوارد في سورة طه من قوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى) (طه: ١٢٨)، فهذا يشعر بخصوص يناسبه سقوط (من) الاستغراقية، وما في آية السجدة يشعر بعموم واستغراق تناسبه (من) في قوله: (مِنْ قَبْلِهِمْ)، فجاء كل على ما يناسب ويجب، والله أعلم.

الآية الثامنة من سورة طه قوله تعالى: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) (طه: ١٣٠)، وفي سورة ق: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) (ق: ٣٩)، فقال في الأولى: (وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) وفي الثانية: (وَقَبْلَ الْغُرُوبِ)، وفي سورة الطور: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) (الطور: ٤٨ - ٤٩)، (فيسأل عن الفرق)؟

والجواب أن ذلك، والله أعلم: لرعي الفواصل ومقاطع الآي، ألا ترى ما تقدم قبل آية ق من قوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) (ق: ٣٨)، فناسب هذا قوله: (وَقَبْلَ الْغُرُوبِ)، وأما آية طه فقد اكتنفها أي مقاطعها الألف المفتوح ما قبلها نطقاً وتقديراً، فجاء ذلك على ما يجب في السورتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>