للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما آية الشعراء فمبينية على تأنيس النبي صلى الله عليه وسلم وإعلامه أن توقف قومه عن الإيمان إنما هو بقدرته تعالى عليهم، ولو شاء لأراهم آية تبهرهم كشق الجبل فوق بني إسرائيل. وإلى هذه الإشارة بقوله تعالى: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (الشعراء: ٤)، ثم رجع الكلام إلى تعنيف المكذبين، فلما كان بناء الآية على التأنيس والتلطف بنبينا صلى الله عليه وسلم، وإعلامه بأن تأخير العذاب عنهم إنما هو إبقاء منه تعالى ليستجيب من قدر له الإيمان منهم، فأشاء إلى هذا وناسبه اسمه الرحمان، فقال تعالى: (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) (الشعراء: ٥)، فقد وضح ورود كل من الآيتين في موضعه على ما يجب ويناسب، والله أعلم بما أراد.

الآية الثانية - قوله تعالى: (وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ) (الأنبياء: ٣٦)، وفي سورة الفرقان: (وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا ... ) (الفرقان: ٤١ - ٤٢)، هنا سؤالان: أحدهما ظهور الفاعل في الآية الأولى وإضماره في الثانية، والثاني ما وجه تعقيب الآية الثانية بما أعقبت به؟

والجواب عن الأول، والله أعلم: أن الكفار المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتقدم قبل آية الأنبياء أو فيما يليها من آي السورة أو يقرب منها خطاب يعنيهم ويخصهم من غيرهم، إنما تقدم قبلها قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء: ٣٠)، وهذا يتناول كل كافر ملف ذي عقل كان من العرب أو من غيرهم معاصر أو غير معاصر، ثم لم يقع بعد هذه الآية ما يعارض عمومها، فلهذا تعين إظهار الفاعل في قوله: (وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (الأنبياء: ٣٦) إذ قيل: وإذا رأوك، لما كان يمكن رجوعه إلا للمذكورين قبل في قوله: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (الأنبياء: ٣٠)، وليس خاصاً بالمعاصرين، فلم يكن ليناسب.

أما آية الفرقان فإن قبلها قوله تعالى: (لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً) (الفرقان: ٣٢)، والمنزل عليه القرآن معلوم صلى الله عليه وسلم، فالقائلون معاصرون وهم الذين عنوا على القطع بقوله: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً)، فلما تقدم

<<  <  ج: ص:  >  >>