للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوفى بما عهد عليه الله في أمانة فقد أتى ووفي بجميع التكاليف الشرعية أخذاً وتركاً، وكذا الصلاة الموصوفة تماماً وخشوعاً بأنها ناهية عن الفحشاء والمنكر، إلا أن الإفصاح والتنصيص النطقي حكم، عليه بنينا ما تقدم، فقد وةضحت النسبة فيما خصت به كل واحدة من السورتين، ووجه ما اتفقنا في وروده مفصحاً به، والله سبحانه أعلم.

وأما الشهادة فداخلة تحت الأمانة، ووجه تخصيص هذه السورة بالإفصاح بها أنها الثانية في الترتيب الثابت، فاستوفت وأكدت ما أشير إليه في الأخرى، والله أعلم.

الآية الثانية من سورة المؤمنون قوله تعالى في قصة نوح عليه السلام: (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) (المؤمنون: ٢٤)، وفي القصة الثانية بعدُ: (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (المؤمنون: ٣٣)، في هاتين الآيتين سؤالان، الأول: لِمَ قدم المجرور في القصة الثانية على الصفة فقيل: (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) (المؤمنون: ٣٣) ولم يؤخر عنها كما ورد في قصة نوح مع الاتفاق في وصف الملأ في القصتين بالكفر؟ والسؤال الثاني: وجه زيادة ما عطف على الوصف بالكفر في القصة الثانية من قوله: (وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (المؤمنون: ٣٣) مع استحقاقهم العذاب بمجرد كفرهم، فما ثمرة الزيادة عليه؟

والجواب عن الأول: أن المجرور الذي هو: (من قومه) رافع إمكان أن يكون القائلون غيرهم. ويليه في الحاجة إلى ذكره وسمهم بالكف، لأنه سبب أخذهم وهلاكهم، إلا أنه لما كان قد يفهمه سياق الكلام لم يلزم الإفصاح (به) في كل موضع وإن أفصح به هنا، ألا ترى أنه لم يرد في قصة نوح، عليه السلام، من سورة الأعراف، أما الإفصاح بالمجرور فالإفصاح به أو بضمير يقوم مقامة ضروري لابد منه ليحصل منه تخصيص اعتناء برفع المفهوم ورفع احتماله جملة يقدم في فصيح الكلام وإن كان فضلة ومنه:

لتقربن قربا جلزيا ما دام فيهن فصيل حيا

أي ما دام في هذه النوق، فرفع بتقديم المجرور احتمال أن يكون المراد ما دام في الوجود، وقد تقدم مصل هذا، فكما يقدم على الخبر فكذلك يقم على الصفة للحاجة إليه.

فإن قلت: لا فرق بين هذه القصة وقصة نوح قبلها في الحاجة إلى هذا المجرور أو ما يقوم مقامه فَلِمَ لَمْ يقدم هناك؟ قلت: لم يرد هناك غير صفة واحدة جعلت مع

<<  <  ج: ص:  >  >>