للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذكر جزائهم الموفى في الثانية معظمه في قوله تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) (الطور: ١٧) في آيات إلى قوله: (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) (الطور: ٢٨)، وحصل في هذا استيفاء كثير من جزائهم. وفي السورة قبل ما عليه يترتب ذلك من أعمالهم، فارتبطت الآيتان، (وتبين) أنه لا اختلاف بينهما. وفي ختم كل واحدة من السورتين بمثل ما به بدئت إشعار ببنائهما على (كل) ما قدمنا من وعيد من ذكر، وأن ما ذكر فيهما من حال أهل الجنة أعمالاً وجزاء فلما قدم ذكره من الارتباط بين الجزاءين في آي الوعد والوعيد متى ذكر أحدهما، والله أعلم بما أراد.

الآية الثالثة - وهي من تمام ما قبلها - وذلك قوله تعالى: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (الذاريات: ١٩)، وفي سورة الحج: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (المعارج: ٢٤ - ٢٥)، يسأل عن وجه زيادة الصفة في سورة المعارج من قوله: (معلوم) وسقوط ذلك في الذاريات؟ وهل كان يناسب عكس الوارد؟

والجواب، والله أعلم: أن آية المعارج قد تقدمها متصلاً بها قوله تعالى: (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) (المعارج: ٢٢)، والمراد بالصلاة هنا المكتوبة، وأيضاً يقرن بها في آي الكتاب الزكاة المفروضة، وبها فسر المفسرون الحق المعلوم في آية المعارج. قال الزمخشري لنها مقدرة ملعومة. قلت: وليس في المال حق مقدر معلوم وقتاً ونصاباً ووجوباً غيرها، فلما أريد بالحق هنا الزكاة أتبع بوصف يححرز المقصود، ولما قصد في آية الذاريات غير هذا المقصد بدليل ما تقدمها من قوله تعالى: (آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذاريات: ١٦ - ١٨)، فوصف هؤلاء بطول صلاتهم وتهجدهم ومداومتهم الاستغفار في الأسحار، فذكروا بزيادة من التطوع والنفل على ما فرض عليهم و (من الزيادة في أعمالهم على ما فرض عليهم) مما يعد تاركه إذا تركه مهملاً، (فناسب هذا) الإطلاق الوارد في إنفاقهم ليفهم الزيادة على ما فرض عليهم من الزكاة المقدرة، ولم يكن ليناسب هنا الإشارة إلى قدر المنفوق كما في سورة المعارج، ولم يكن عكس الوارد ليناسب، فورد كل على ما يجب، والله أعلم.

الآية الرابعة قوله تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (الذاريات: ٥٠ - ٥١)، للسائل أن يسأل عن وجه تكرر قوله تعالى: (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)؟ وعن الإنذارين: في التوجه له سبحانه في كل المطلوبات وعتماد تلقي كل من عنده، ومن أن يشرك به سبحانه أو يعبد معه سواه؟ فعلى

<<  <  ج: ص:  >  >>