للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بهذا الاسم، فالذي يجب أن يفهم عن هذا القائل أنه يريد أن لله غيوباً لا تحصي لا يظهر عليها أحداً من خلقه على مقتضى هذه الآية الخاصة بهذا المعنى المجردة له، ومن نحو هذا ما يشير إليه قوله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) (البقرة: ٢٥٥)، وإذا أظهر تعالى شيئاً من هذا الغيب فإنما يدركه الخلق أو من شاء الله منهم بعد ظهوره وكيانه، فيعلم إذ ذاك وقد كان هذا الظاهر في غيبه الذي انفرد به عن خلقه لم يعلم أحد من الخلق له ماهية إلا بعد ظهوره، وما غاب عن الخلق أكثر. هذا - والله أعلم - هو المراد بهذا الغيب المذكور هنا، وعليه يحمل ما قدم عما ذكر وإن أوهم من حيث حصر التمثيل أنه غيب الساعة خاصة، وهو ولا بد لم يرد ذلك وغنما أراد غيب الساعة وما كان مثله مما لم تذكر له ماهية، فلم يكن التمثيل كما تقدم إلا بما أعلمنا بماهيته فصح السؤال عنه.

وأما أمر الساعة فهذا - والله أعلم - ما يمكن أن يقال إنه الذي تجردت له آية سورة الجن، وأما الوارد في قوله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) (النمل: ٦٥) وما ورد من مثله فليس بخاص بل هو عام على إطلاقه وعمومه، ومصرف المنع إلى الإحاطة والاستيفاء والتيقن وحصر جزئيات المعلومات، فلا يعلم ذلك علم استيفاء وإحاطة إلا الله. فهو الذي أحاط بكل شئ علماً وأحصى كل شئ عدداً، ثم لا يمتنع إظهاره سبحانه من شاء من خلقه من غير الرسل على ما شاء مما أشير إليه ولا يتجزأ ما أطلعهم عليه مما عنده سبحانه، ويدخل تحت هذا العموم العلم الذي استأثر سبحانه بعلمه وانفرد به دون خلقه، إلا أن حكم ذلك على ما تقدم وتقرر، ومن نحو العموم الواقع هنا قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (الجاثية: ٢٧)، فهذا كقوله: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) (هود: ١٢٣)، فملك السماوات والأرض له سبحانه لا شريك له في ذلك ثم قد قال تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) (آل عمران: ٢٦)، وأعلمنا سبحانه أن نبيه سليمان طلب ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وأتاه الله ذلك، وليس ما أوتيه هذا النبي الكريم صلي الله عليه وسلم جزاءاً له نسبة إلى ملك الله تعالى، ولا يمكن توهم ذلك. وإذا كان ما أوتي سليمان، عليه السلام، هذه حالة فكيف ما أوتيه غيره مما لا يبلغ معشار ما أوتيه سليمان، عليه السلام؟ فكذا الأمر في الغيب، فلا يعلم غيب السماوات والأرض على ما هو علم إحاطة وتفصيل إلا هو سبحانه، يطلع من يشاء من خلقه على ما شاء من ذلك، ولا يتجزأ ما اطلع عليه الكل من نبي ومن سواه مما لم يطلعهم عليه، ثم إن ما عند من سوى الأنبياء والمصطفين من العباد لا يعلم أنهم تيقنوا ذلك، فإذا لم يكن علمهم علم تيقن وتحقيق فإطلاق اسم العلم عليه مجاز بل هو ظن وإن قوي إذ لم بصحبه اليقين ولا الاستيفاء ولا الإحاطة

<<  <  ج: ص:  >  >>