للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالجزئيات فالمتصف به ليس بعالم غيب على الحقيقة، وبهذه الصفة القاصرة هو العلم الموجود عند الكهان وغيرهم ممن لم يستمد من الوحى، وما تسلمه الشريعة، فنفى الإتصاف بعلم الغيب عمن عري عن التيقن أو من لم يحط علمه بجزئيات ما يعلمه ولم يستوفه وجه واضح، والإطلاق بأنه ليس عالماً بالغيب إطلاق صحيح، ثم إن القول بأنه مخير بغيب وبعض تفاصيل عن مغيبات غير معارض ولا متناقض، فلا يلزم على ذلك اعتراض بعلم شق وسطيح وما أخبرا به، لأنهما وإن أخبرا بعجائب وتفاصيل فقد فاتهما غير ذلك من جزئيات في معلومهما الذي أخبرا به لم يخبرا بها ولا أحاطا بعلمهما. وكذا غيرهما من الكهان والمنجمين، فقد وضح محمل آيات العموم.

وأما آية سورة الجن فمحملها على الخصوص كما تقدم، ومما يزيد ذلك وضوحاً ويعضد ما قدمنا من المفهوم في الضربين أن الله سبحانه لما ذكر المغيبات الخمس فقال: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) (لقمان: ٣٤) إلى آخرها أفرد علم الساعة بقوله: (إن الله عنده علم الساعة)، وعبارة: " عند" تقتضى بوضعها خصوصاً وقرباً وتمكنا، وكذا أورد تعالى هذا الإخبار حيث تكرر قال تعالى بعد: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي) (الأعراف ١٨٧)، وقال تعال: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (الملك: ٢٥ - ٢٦)، فجرى هذا الإخبار مقيداً بعبارة "عند" حيث تكرر ولم يشترك معها في آية لقمان ما ذكر بعدها في الدخول تحت حكم " عند" وما تقتضيه من الخصوص بل قال تعالى: (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) (لقمان: ٣٤) إلى ما بعده فتفصيل هذا الإخبار والتفصيل في نظم الآية يفهم منع التساوي، ولا شك أن عدم اعتبار الجزئيات في تركيب الألفاظ يؤدي إلى عدم فهم ما انتظم منها.

فإن قيل: إنما ورد بعد ذكر الساعة من قوله تعالى: (وينزل الغيث) إلى ما بعد مفصولاً عن حكم " عند" ليفهم التكرار، إذ المعلوم أن تكرر نزول الغيث - مهما كانت الحاجة إيه - هو عين الإنعام والإحسان إلى العباد، فلهذا ورد بلفظ يقتضي التكرر وهو لفظ المستقبل من الفعل، فأحرز بذلك هذا الإنعام العظيم والتذكير به، فهو كالوارد في قوله تعالى: (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ) (ص: ١٨) (ولم يقل) مسبحات، وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) (الملك: ١٩)، وهذا كثير فالإحراز ورد تفصيل الإخبار. قلت: قصد هذا المعنى بين الإمكان وإحراز - عند -

<<  <  ج: ص:  >  >>