للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣١١ - (٦٨١) وحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ) حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ؛ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال:

"إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمْ. وَتَأْتُونَ الْمَاءَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، غَدًا". فَانْطَلَقَ النَّاسُ لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ. قَالَ: فَنَعَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَمَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ. فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ. مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ. حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ. قَالَ ثُمَّ سَارَ حَتَّى تَهَوَّرَ اللَّيْلُ مَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ. قَالَ فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ. حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ. قَالَ ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ مَالَ مَيْلَةً. هِيَ أَشَدُّ مِنَ الْمَيْلَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ. حَتَّى كَادَ يَنْجَفِلُ. فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ "مَنْ هَذَا" قُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ. قَالَ "مَتَى كَانَ هَذَا مَسِيرَكَ مِنِّي؟ " قُلْتُ: مَا زَالَ هَذَا مَسِيرِي مُنْذُ اللَّيْلَةِ. قَالَ "حَفِظَكَ اللَّهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ" ثُمَّ قَالَ "هَلْ تَرَانَا نَخْفَى عَلَى النَّاسِ؟ " ثُمَّ قَالَ "هَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟ " قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ. ثُمَّ قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ آخَرُ. حَتَّى اجْتَمَعْنَا فَكُنَّا سَبْعَةَ رَكْبٍ. قَالَ فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّرِيقِ. فَوَضَعَ رَأْسَهُ. ثُمَّ قَالَ "احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا". فَكَانَ أَوَّلَ من استيقظ رسول الله صلى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ. قَالَ فَقُمْنَا فَزِعِينَ. ثُمَّ قَالَ "ارْكَبُوا" فَرَكِبْنَا. فَسِرْنَا. حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ نَزَلَ. ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كانت معي فيها شئ

⦗٤٧٣⦘

من ماء. قال فتوضأنا مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ. قَالَ وَبَقِيَ فِيهَا شئ مِنْ مَاءٍ. ثُمَّ قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ "احْفَظْ عَلَيْنَا مِيضَأَتَكَ. فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ" ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ. فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبْنَا مَعَهُ. قَالَ فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ: مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلَاتِنَا؟ ثُمَّ قَالَ "أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ؟ "ثُمَّ قال لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ. إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الأُخْرَى. فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا. فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا" ثُمَّ قَالَ "مَا تَرَوْنَ النَّاسَ صَنَعُوا؟ " قَالَ: ثُمَّ قَالَ "أَصْبَحَ النَّاسُ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَكُمْ. لَمْ يَكُنْ لِيُخَلِّفَكُمْ. وَقَالَ النَّاسُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بين أيديكم. فإن يطبعوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا".

قَالَ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الناس حين امتد النهار وحمي كل شئ. وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكْنَا. عَطِشْنَا. فَقَالَ "لَا هُلْكَ عَلَيْكُمْ" ثُمَّ قَالَ "أَطْلِقُوا لِي غُمَرِي" قَالَ وَدَعَا بِالْمِيضَأَةِ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ وَأَبُو قَتَادَةَ يَسْقِيهِمْ. فَلَمْ يَعْدُ أَنْ رَأَى النَّاسُ مَاءً فِي الْمِيضَأَةِ تَكَابُّوا عَلَيْهَا. فَقَالَ

⦗٤٧٤⦘

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَحْسِنُوا الْمَلَأَ. كُلُّكُمْ سَيَرْوَى" قَالَ فَفَعَلُوا. فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ وَأَسْقِيهِمْ. حَتَّى مَا بَقِيَ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ثُمَّ صَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي "اشْرَبْ" فَقُلْتُ: لَا أَشْرَبُ حَتَّى تَشْرَبَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ "إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا" قَالَ فَشَرِبْتُ. وَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ فَأَتَى النَّاسُ الْمَاءَ جَامِّينَ رِوَاءً.

قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ: إِنِّي لَأُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَسْجِدِ الجامع. إذا قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: انْظُرْ أَيُّهَا الْفَتَى كَيْفَ تُحَدِّثُ. فَإِنِّي أَحَدُ الرَّكْبِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. قَالَ قُلْتُ: فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ. فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ: حَدِّثْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِحَدِيثِكُمْ. قَالَ فَحَدَّثْتُ الْقَوْمَ. فَقَالَ عِمْرَانُ: لَقَدْ شَهِدْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَمَا شَعَرْتُ أَنَّ أحدا حفظه كما حفظته.


(لا يلوي على أحد) أي لا يعطف. (إبهار الليل) أي انتصف. (فنعس) النعاس مقدمة النوم. (فدعمته) أي أقمت ميله من النوم، وصرت تحته. كالدعامة للبناء فوقها. (تهور الليل) أي ذهب أكثره. مأخوذ من تهور البناء، وهو انهداده. (ينجفل) أي يسقط. (بما حفظت به نبيه) أي بسبب حفظك نبيه. (سبعة ركب) هو جمع راكب. كصاحب وصحب، ونظائره. (بميضأة) هي الإناء الذي يتوضأ به، كالركوة. (وضوءا دون وضوء) أي وضوءا خفيفا. (يهمس إلى بعض) أي يكلمه بصوت خفي. (أسوة) الأسوة كالقدوة والقدوة، هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره. إن حسنا وإن قبيحا. وإن سارا وإن ضارا. ولهذا قال تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حسنة. فوصفها بالحسنة. كذا قال الراغب. (ليس في النوم تفريط) أي تقصير في فوت الصلاة. لانعدام الاختيار من النائم. (مَا تَرَوْنَ النَّاسَ صَنَعُوا قَالَ ثُمَّ قَالَ ... الخ) قال النووي: معنى هذا الكلام أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم الصبح، بعد ارتفاع الشمس، وقد سبقهم الناس. وانقطع النبي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الطائفة اليسيرة عنهم. قال: ما تظنون الناس يقولون فينا؟ فسكت القوم. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا أبو بكر وعمر فيقولان للناس: إن النبي صلى الله عليه وسلم وراءكم. ولا تطيب نفسه أن يخلفكم وراءه ويتقدم بين أيديكم. فينبغي لكم أن تنتظروه حتى يلحقكم. وقال باقي الناس: إنه سبقكم فالحقوه. فإن أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا، فإنهما على الصواب. (لا هلك عليكم) أي لا هلاك. (أطلقوا لي غمري) أي إيتوني به. والغمر القدح الصغير. (فَلَمْ يَعْدُ أَنْ رَأَى النَّاسُ مَاءً فِي الميضأة تكابوا عليها) أي لم يتجاوز رؤيتهم الماء في الميضأة تكابهم، أي تزاحمهم عليها، مكبا بعضهم على بعض. (أحسنوا الملأ) الملأ الخلق والعشرة. يقال: ما أحسن ملأ فلان أي خلقه وعشرته. وما أحسن ملأ بني فلان أي عشرتهم وأخلاقهم. ذكره الجوهري وغيره. وأنشد الجوهري:
تنادوا يال بهثة إذ رأونا * فقلنا: أحسنى ملأ جهينا
(جامين رواء) أي مستريحين قد رووا من الماء. والرواء ضد العطاش جمع ريان وريا، مثل عطشان وعطشى. (في مسجد الجامع) هو من باب إضافة الموصوف إلى صفته. فعند الكوفيين يجوز ذلك بغير تقدير. وعند البصريين لا يجوز إلا بتقدير. ويتأولون ما جاء بهذا بحسب مواطنه. والتقدير هنا: مسجد المكان الجامع. وفي قول الله تعالى: وما كنت بجانب الغربي، أي المكان الغربي. وقوله تعالى: ولدار الآخرة، أي الحياة الآخرة. (حفظته) ضبطناه، حفظته بضم التاء وفتحها. وكلاهما حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>