للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تعالى {الرحمن عَلَى العرش استوى} فَذَكَرَ الِاسْتِوَاءَ بِاسْمِهِ الرَّحْمَنِ لِيَعُمَّ جَمِيعَ خَلْقِهِ برحمته، وقال: {وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً} فخصهم باسمه الرحيم. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ {الرَّحْمَنَ} أَشَدُّ مُبَالَغَةً فِي الرحمة لعمومها في الدارين لجميع خلقه، و {الرَّحِيمِ} خاصة بالمؤمنين، واسمه تعالى {الرحمن} خاص لم يسم به غيره، قَالَ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} وقال تعالى: {أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعبدون}؟ وَلَمَّا تجرأ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابِ وَتَسَمَّى بِرَحْمَنِ الْيَمَامَةِ كَسَاهُ اللَّهُ جِلْبَابَ الْكَذِبِ وَشُهِرَ بِهِ، فَلَا يُقَالُ إِلَّا (مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ) فَصَارَ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الكذب بين أهل الحضر والمدر.

وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الرَّحِيمَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً من الرحمن لأنه أكّد به، والمؤكِّدُ لَا يَكُونُ إِلَّا أَقْوَى مِنَ المؤَكَّد،

وَالْجَوَابُ أن هذا ليس من باب التأكيد وإنما هو من باب النعت ولا يلزم ما ذكروه، فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ الرَّحْمَنُ أَشَدُّ مُبَالَغَةً فهلا اكتفى به عن الرحيم؟ فقد قيل: إنه لمّا تسمّى غيره بالرحمن جيء بلفظ الرحيم ليقطع الوهم بذلك، فإنه لا يوصف ب {الرحمن الرَّحِيمِ} إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، كَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ وَوَجَّهَهُ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى مَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ، وَمِنْهَا مَا لَا يُسَمَّى بِهِ غيره كاسم (الله) و (الرحمن) و (الخالق) و (الرازق) ونحو ذلك، وأما (الرحيم) فإن الله وصف به غيره حيث قال في حقّ النبي: {بالمؤمنين رءوفٌ رَّحِيمٌ}، كما وصف غيره ببعض أسمائه فقال في حق الإنسان: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}.

<<  <  ج: ص:  >  >>