للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لَا تَخَرُّصًا وَلَا ظَنًّا، بَلْ وَحْيًا مِنْهُ وَأَمْرًا مِنْ عِنْدِهِ {أَلَاّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} وَكَأَنَّ فِي الْكَلَامِ مَحْذُوفًا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَتَقْدِيرُهُ: وَأَوْصَاكُمْ {أَلَاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} وَلِهَذَا قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لعلكم تَعْقِلُونَ}.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِنْ أمتك دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قَالَ: وَإِنَّ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ، قُلْتُ: وَإِنَّ زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سَرَقَ، قُلْتُ: وَإِنَّ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وإن زنى وَإِنْ سَرَقَ، وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ"؛ وَفِي بَعْضِ الروايات أنه عليه الصلاة والسلام قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ»، فَكَانَ أَبُو ذَرٍّ يَقُولُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَدِيثِ: «وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ»، وَفِي بعض المسانيد والسنن عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول تَعَالَى: (يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي فَإِنِّي أَغْفِرُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالِي، وَلَوْ أَتَيْتَنِي بِقِرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً أَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغْفِرَةً مَا لَمْ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً، وَإِنْ أَخْطَأْتَ حَتَّى تَبْلُغَ خَطَايَاكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ)، وَلِهَذَا شَاهِدٌ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لمن يشاء}، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «مَنْ مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة». والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جداً، وعن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: أَوْصَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعِ خِصَالٍ: «أَلَّا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ حُرِّقْتُمْ وَقُطِّعْتُمْ وَصُلِّبْتُمْ» (رواه ابن مردويه وابن أبي حاتم)، وقوله تعالى: {وبالوالدين إِحْسَاناً} أي أوصاكم وَأَمَرَكُمْ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا أَيْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}، وَاللَّهُ تَعَالَى كَثِيرًا مَا يَقْرِنُ بَيْنَ طَاعَتِهِ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ كَمَا قَالَ: {إِنَّ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إليَّ الْمَصِيرُ}، فَأَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ بِحَسْبِهِمَا، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَاّ الله وبالوالدين إحساناً} وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا" قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولو استزدته لزادني. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِّنْ إمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} لما أوصى تعالى بالوالدين وَالْأَجْدَادِ، عَطَفَ عَلَى ذَلِكَ الْإِحْسَانَ إِلَى الْأَبْنَاءِ وَالْأَحْفَادِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِّنْ إمْلَاقٍ}، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ أَوْلَادَهُمْ كَمَا سَوَّلَتْ لَهُمُ الشَّيَاطِينُ ذَلِكَ، فَكَانُوا يَئِدُونَ الْبَنَاتَ خشية العار، وربما قتلوا بعض الذكور خشية الافتقار، ولهذا ورد في الصحيحين من حديث عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ»، قلت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَاّ بالحق ولا يزنون} (أخرجه الشيخان عن عبد الله بن مسعود) الآية. وقوله تعالى: {مِّنْ إمْلَاقٍ}، قال ابن عباس: هُوَ الْفَقْرُ أَيْ وَلَا تَقْتُلُوهُمْ مِنْ فَقْرِكُمُ الحاصل، وقال في سورة الإسراء: {وَلَا تقتلوا أولادكم خَشْيَةَ إمْلَاقٍ} أي لا تقتلوهم خوفاً من الفقر فِي الْآجِلِ، وَلِهَذَا قَالَ هُنَاكَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>