للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٨ - (باب فِي الِانْتِفَاعِ بِالرَّهْنِ)

أَيْ بِالشَّيْءِ الْمَرْهُونِ

[١٢٥٤] قَوْلُهُ (الظَّهْرُ يُرْكَبُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَكَذَلِكَ يُشْرَبُ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ

والْمُرَادُ مِنَ الظَّهْرِ ظَهْرُ الدَّابَّةِ وَقِيلَ الظَّهْرُ الْإِبِلُ الْقَوِيُّ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ (وَلَبَنُ الدَّرِّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الدَّارَّةِ أَيْ ذَاتِ الضَّرْعِ

وقَوْلُهُ لَبَنُ الدَّرِّ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نفسه كقوله تعالى وحب الحصيد قَالَهُ الْحَافِظُ

(وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ نَفَقَتُهُ) أَيْ كَائِنًا مَنْ كَانَ هَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ

وفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ إِذَا قَامَ بِمَصْلَحَتِهِ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَالِكُ

وهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَطَائِفَةٍ قالوا أينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والخلب بِقَدْرِ النَّفَقَةِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِغَيْرِهِمَا لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ وأَمَّا دَعْوَى الْإِجْمَالِ فَقَدْ دَلَّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى إباحة الانتفاع فِي مُقَابَلَةِ الْإِنْفَاقِ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ مُجْمَلًا لَكِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ انْتِفَاعَ الرَّاهِنِ بِالْمَرْهُونِ لِكَوْنِهِ مَالِكَ رَقَبَتِهِ لا لكونه منفقا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَنْتَفِعُ مِنَ الْمَرْهُونِ بِشَيْءٍ

وتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ لِكَوْنِهِ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا التَّجْوِيزُ لِغَيْرِ الْمَالِكِ أَنْ يَرْكَبَ وَيَشْرَبَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَالثَّانِي تَضْمِينُهُ ذَلِكَ بِالنَّفَقَةِ لا بالقيمة

قال بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَرُدُّهُ أُصُولٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَآثَارٌ ثَابِتَةٌ لَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهَا

ويَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ حَدِيثُ بن عُمَرَ لَا تُحْلَبُ مَاشِيَةُ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ انْتَهَى

وقَالَ الشَّافِعِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ رَهْنِ ذَاتِ دَرٍّ وَظَهْرٍ لَمْ يَمْنَعْ الرَّاهِنَ مِنْ دَرِّهَا وَظَهْرِهَا فَهِيَ مَحْلُوبَةٌ وَمَرْكُوبَةٌ لَهُ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الرَّهْنِ وَاعْتَرَضَهُ الطَّحَاوِيُّ بِمَا رَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ زَكَرِيَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ مَرْهُونَةً فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَفُهَا

الْحَدِيثَ قَالَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُرْتَهِنُ لَا الرَّاهِنُ ثُمَّ أَجَابَ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا فَلَمَّا حُرِّمَ الرِّبَا ارْتَفَعَ مَا أُبِيحَ فِي هَذَا لِلْمُرْتَهِنِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَالتَّارِيخُ فِي هَذَا مُتَعَذِّرٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ مُمْكِنٌ

وقَدْ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو

<<  <  ج: ص:  >  >>