للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦ - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَأْخِيرِ الظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ)

[١٥٧] قَوْلُهُ (إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا مِنَ الْإِبْرَادِ أَيْ أَخِّرُوا إِلَى أَنْ يَبْرُدَ الْوَقْتُ

يُقَالُ أَبْرَدَ إِذَا دَخَلَ فِي الْبَرْدِ كَأَظْهَرَ إِذَا دَخَلَ فِي الظَّهِيرَةِ

وَمِثْلُهُ فِي الْمَكَانِ أَنْجَدَ إِذَا دَخَلَ فِي النَّجْدِ وَأَتْهَمَ إِذَا دَخَلَ فِي التِّهَامَةِ (عَنِ الصَّلَاةِ) فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بِالصَّلَاةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ وَقِيلَ زَائِدَةٌ وَمَعْنَى أَبْرِدُوا أَخِّرُوا عَلَى سَبِيلِ التَّضْمِينِ أَيْ أَخِّرُوا الصَّلَاةَ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ عَنِ الصَّلَاةِ فَقِيلَ زَائِدَةٌ أَيْضًا أَوْ عَنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ أَوْ هِيَ لِلْمُجَاوَزَةِ أَيْ تَجَاوَزُوا وَقْتَهَا الْمُعْتَادَ إِلَى أَنْ تَنْكَسِرَ شِدَّةُ الْحَرِّ

وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الظُّهْرُ لِأَنَّهَا الصَّلَاةُ الَّتِي يَشْتَدُّ الْحَرُّ غَالِبًا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ أَبَى سَعِيدٍ انْتَهَى

قُلْتُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ (فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) أي مِنْ سَعَةِ انْتِشَارِهَا وَتَنَفُّسِهَا وَمِنْهُ مَكَانٌ أَفَيْحُ أَيْ مُتَّسِعٌ وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ اسْتِعَارِهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَثَارَ وَهَجِ الْحَرِّ فِي الْأَرْضِ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ حَقِيقَةً

وَقِيلَ هُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ أَيْ كَأَنَّهُ نَارُ جَهَنَّمَ فِي الْحَرِّ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفْسَيْنِ نَفْسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفْسٍ فِي الصَّيْفِ

قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشذي ما لفظه ها هنا سُؤَالٌ عَقْلِيٌّ وَهُوَ أَنَّ التَّجْرِبَةَ أَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ وَضَعْفَهَا بِقُرْبِ الشَّمْسِ وَبُعْدِهَا فَكَيْفَ إنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمِ

قَالَ فَنُجِيبُ بِمَا يُفِيدُ فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ وَهُوَ لِلْأَشْيَاءِ أَسْبَابٌ ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ وَالْبَاطِنَةُ تَذْكُرُهَا الشَّرِيعَةُ وَالظَّاهِرَةُ لَا تَنْفِيهَا الشَّرِيعَةُ فَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَالْمَطَرِ وَنَهْرِ جَيْحَانَ وَسَيْحَانَ انْتَهَى

قُلْتُ هذا الجواب إنما يتمشى فيما لا تخالف بَيْنَ الْأَسْبَابِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي بَيَّنَتْهَا الشَّرِيعَةُ وَبَيْنَ الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي أَثْبَتَهَا أَرْبَابُ الْفَلْسَفَةِ الْقَدِيمَةِ أَوِ الْجَدِيدَةِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا التَّخَالُفُ فلا تفكر

<<  <  ج: ص:  >  >>