للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نجد بعض ما يشبه الاعتراف التلقائي لضمير إنساني سام بُهت أمام عظسمة الظاهرة القرآنية؛ وإن العقل الإنساني ليقف حائراً أمام رحابة القرآن وعمقه، إنه بناء فريد ذو هندسة ونسب فنية تتحدى القدرة المبدعة لدى الإنسان.

إن عبقرية الإنسان تحمل بالضرورة طابع الأرض، ليخضع كل شيء لقانون المكان والزمان، بينما يتخطى القرآن دائماً نطاق هذا القانون، وما كان لكتاب بهذا السمو أن يتصور في حدود الأبعاد الضيقة للعبقرية الإنسانية؛ ومن المقطوع به أنه لو أتيح لأحد الناس أن يقرأ قراءة واعية يدرك خلالها رحابة موضوعه، فلن يمكنه أن يتصور الذات المحمدية إلا مجرد واسطة لعلم غيبي مطلق.

وفضلاً عن ذلك، فإن هذه الذات تشغل فيه مكاناً ضئيلاً، إذ نادراً ما يتحدث القرآن عن تاريخ (محمد) الإنسان: إن آلامه العظمى أو مسراته لم ترد فيه قط؛ ولو تخيلنا النازلة التي أصابته في أوج دعوته بفقد عمه وزوجه لأدركنا مدى الدوي الرهيب لحدث كهذا، في حياة (رجل) كان حتى آخر لحظاته يبكي خديجة وأبا طالب، عندما كان اسماهما يذكران أمامه، وعلى الرغم من هذا لا نجد أي صدى لموتهما في القرآن، بل ولا اسم الزوجة الحانية، الزوجة التي تقبلت في حجرها انبثاق الإسلام الوليد.

هذه النقطة ضرورية في رأينا لأية دراسة نفسية تحليلية لموضوع القرآن، الذي شغل منذ بعيد اهتمام المستشرقين لغايات مختلفة وبدوافع جد متخالفة. ولقد قدمت هذه الموضوعات الخاصة بالقرآن مادة غزيرة لدراسات هؤلاء العلماء، وربما كان من الواجب أن نبحثها هنا لنلفت إليها انتباه القارئ، ولكننا سنخصص بإيجاز لفتة للتشابه العجيب بين الكتاب المقدس (١) والقرآن:


(١) يقصد بالكتاب المقدس مجموع الكتب المنزلة على أنبياء بني إسرائيل ومنها التوراة والإنجيل. (المترجم)

<<  <   >  >>