للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحن نذكر- من جهة أخرى- أنه لم يثبت أن كان بمكة أو ضواحيها أي مركز ثقافي ديني، ليقوم بنشر فكرة الكتاب المقدس، التي عبر عنها القرآن.

وكل ما يمكن أن يذكر هو أن بعض الحنفاء كان لهم تأثير روحي معين على الوسط الذي تشكلت فيه الذات المحمدية، بل إن النبي نفسه كان (حنيفيا) قبل بعثته، والآيات التي تذكر (جهله بالكتب) تنطبق تماماً على (الحنفاء) الآخرين، ومع ذلك فإن وجود (الحنيفي) نفسه كان حالة نادرة في بيئة مشركة في جوهرها، ونضيف أيضاً في هذا الصدد أن هذه البيئة لم تتطور كثيراً منذ هاتيك العصور الخوالي إلى الآن على الرغم من طابع القرون الإسلامية التي مرت عليها.

لقد تساءل أحد المؤلفين العرب المحدثين في إحدى الدراسات الاجتماعية الهامة فقال: "هل الإسلام من صنع اليهودية والمسيحية" (١)؟ ثم أجاب بالنفي معتمداً على ملاحظة للأب (لامانس) الذي عزا انعدام تأثير المسيحية إلى (بعد معتنقيها العرب عن الرعاية المناسبة للكنيسة). ومن ناحية أخرى، لو أن الفكرة اليهودية المسيحية كانت قد تغلغلت حقاً في الثقافة والبيئة الجاهلية فإن من غير المفهوم ألا توجد ترجمة عربية للكتاب المقدس. وهنالك حدث مؤكد فيما يتصل بالعهد الجديد (الإنجيل) وهو أنه حتى القرن الرابع الهجري لم تكن قد وضعت له ترجمة عربية، نعرف هذا من مصادر الغزالي الذي اضطر أن يلجأ إلى مخطوط قبطي كيما يحرر (رده) (٢).

وقد ذكر (الأب شدياق R.P.Chediac) - الذي اضطر إلى البحث في كل ناحية عن المصادر الإنجيلية التي استخدمها الفيلسوف العربي في تأليف (الرد) حين كان يريد ترجمة مؤلف الفيلسوف- ذكر أن أول نص مسيحي ترجم إلى


(١) الدكتور بشر فارس (الشرف عند العرب قبل الإسلام) (بالفرنسية).
(٢) الغزالي (الرد على من ادعى ألوهية المسيح بصريح الإنجيل).

<<  <   >  >>