للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخيراً فإن الرواية القرآنية مستقلة تمام الاستقلال عن الفكرة اليهودية المسيحية التي ترى- من زوايا مختلفة- في صلب المسيح حقيقة تاريخية، فإذا بالقرآن يؤكد في هذا الموضوع: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء١٥٧/ ٤].

هذه الرواية الأصلية في القرآن لا تتفق مع أية وثيقة يهودية مسيحية. ومن جهة أخرى تترك مخطوطات المسيحيين الأول الباب مفتوحاً لجميع الفروض عن نهاية المسيح وعن مدة رسالته.

و (إيرينيه Irené) - الذي ذكره الأستاذ (مونتييه Montet) باعتباره الشاهد الأول على وثاقة إنجيل القديس يوحنا- يعترف في نهاية القرن الثاني بأن المسيح ظل يعلم الناس حتى سن الخمسين، خلافاً للرواية الحالية التي تفيد أنه قد انتهت رسالته في سن الثانية والثلاثين، فلو أننا أردنا أن نرد- بأي ثمن- التاريخ التوحيدي القرآني في هذه النقطة إلى مصدر مسيحي، فمن الممكن أن نقرب جزئياً بين رأي القرآن عن اختفاء المسيح ورأي النظرية الدوسيتية Doctrine docétiste) الذي يقرر صراحة (الموت الظاهر) للمسيح تبعاً لإنجيل بطرس.

هذا التقريب يظل على الرغم من هذا جزئياً، لأن القرآن يعد مولد المسيح وحياته وقائع أرضية لا تقبل الجدل، بينما تضع الدوسيتية Le docétisme كل هذا في نطاق فهم عام لفكرة (الظاهر) (١). وهكذا يمكن أن نتتبع خطوة خطوة الفكرة القرآنية والفكرة الكتابية، لنجد فيها فيما يتصل بالأصول التاريخية موضوعات مشتركة لا تنكر، ولكنا نجد أيضاً كثيراً من نقط التباعد والاختلاف. ولعل من الواجب لكي ندفع هذا البحث إلى أقصى ما يمكن افتراضه. أن نقرر علاقة القرآن، لا بمصدر واحد فحسب، بل بكثير من المصادر


(١) فكرة الظاهر مرتبطة بفكرة القرآن في قوله تعالى: {وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء١٥٧/ ٤]. (المترجم)

<<  <   >  >>