للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلالها الشك في سلوك زوجه من ناحية، والتردد في اتخاذ قرار ظالم من ناحية أخرى، وفي هذه الحالة لا يجدي سوى الحياد الذي يهدئ انفعالات الإنسان، ويناسب ظروف النبي، فالغفران قد يكون أعمى، والأدلة قد تكون ظالمة؛ وعليه فلقد كان لمصلحة النبي الشخصية والعليا من كل وجه أن يلتزم حياداً دقيقاً، بأن يترك عائشة لدى أبيها. وموقف كهذا لا يدع مأخذاً لألسنة المنافقين الحداد، ولنقدهم المغرض، بلة العقل المجرد. ولم يكن على النبي من الوجهة الإنسانية أن يتخذ موقفاً آخر، أعني لم يكن عليه أن يعمل شيئاً مطلقاً، وقد كانت هذه خطته فعلاً .. حتى نزول الوحي، فإذا به يعتق الرجل من شكه ومن تردده، معرضاً في الوقت نفسه القيمة العلوية للرسالة لاختبار هائل. وسنجد أن سورة (النور) تسن أولاً (حد الزنى):

{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {[النور ٢/ ٢٤]

وهذا هو المبدأ القانوني الأول.

ثم إنها تبرئ عائشة رضي الله عنها بطريقة رائعة باهرة، وهي تنمي هذا المبدأ القانوني، وتؤكد اشتراط الشهادة في مثل هذه الحالات:

{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور ٣/ ٢٤ و ٤]

ولكي يضفي النبي على هاتين الآيتين تفسيرهما التاريخي وجدناه يعيد إلى بيته (الزوجة) الفاضلة، التي رفضت أن تعترف بالجميل لإنسان، فهي تجيب

<<  <   >  >>