للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من هذه الغرائب التي تعلق الاهتمام، وتلجم فجأة اطراد الفكر وانسيابه، فنشر بأن المستوى قد تغير، كأنما وضعت هذه الغرائب هنالك قصداً لتكون مرقاة يصعد فيها المتأمل طفرة إلى ما هو أسمى من مستوى الذات الإنسانية، فإذا بالعقل- وهو الذي تعود أن يفكر فيما هو معلوم، وفيما هو قابل للعلم مما يتصل بالمستوى الإنساني- يجد نفسه وقد حمل بعيداً ليلحظ من هنالك، في وميض آية من آيات القرآن، أفقاً من آفاق المعرفة المطلقة.

لماذا نرى في اطراد فكرة غيبية صورة بصرية؟ ومن خلال عرض تشريعي تتدفق حقيقة أرضية أو سماوية.؟. لا شك أن هذا عجيب! .. ولا شك أننا لو تأملنا من قريب هذه الغرائب فسنكتشف في اطراد الفكرة القرآنية روحاً مذهلاً، ونسقاً رفيعاً، لا يصدر إلا عن معرفة مطلقة محضة تتدفق منها الآية، فنحن مضطرون إلى أن نعد أمثال هذه الغرائب إشارات بينات، وشهباً ثواقب، تكشف للفكر الإنساني المبهور عن المصدر الغيبي الذي تدفقت منه تلك الفكرة، التي سبقت عصور التقدم الإنساني، واتفقت مع الحقائق التي كشف عنها العلم بعد ذلك بقرون، وكأنما سبقت هذه الغرائب العقل الإنساني الذي يتطور، لتكون طلائع شاهدة على السر الأسمى للمعرفة القرآنية.

إن القرآن يتجه بالخطاب إلى البشر سكان الأرض، أولئك الذين يهمهم ولا ريب أن يعرفوا كل شيء عن الأرض التي تحملهم، فما هو شكل هذا الكوكب المظلم؟ ... وللإجابة عن هذا السؤال لا يسلك القرآن مسلكاً علمياً، فهو ليس كتاباً في وصف الكون، ولو أنه كان كذلك لحوى تلك الأفكار التخمينية، التي كانت تقول بها النظرية البطلمية (١) La Théorie Ptelemienne الشائعة آنذاك،


(١) بطليموس هو الذي افترض أن الأرض مركز الكون الذي تدور حوله الشمس والكواكب الأخرى، وقد حلت محل النظرية نظرية كوبرنيك السائدة الآن.

<<  <   >  >>