للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الهجوم، فنحن أولى منهم إن ظننا بأنفسنا أنا في العلم والفهم مثلهم.

وهيهات.

الثانية: من علم من نفسه أنه لم يبلغ مبالغهم ولا داناهم، فهذا طرف لا إشكال في تحريم ذلك عليه. وسبيله أن يأخذ تفسيرا يدرسه بمراجعة العلماء.

الثالثة: من شكّ في بلوغه مبلغ أهل الاجتهاد أو ظن ذلك في بعض علومه دون بعض. فهذا أيضا داخل تحت حكم المنع من القول فيه، لأن الأصل عدم العلم، فعند ما يبقى له شك أو تردد في الدخول مدخل العلماء الراسخين فانسحاب الحكم الأول عليه باق بلا إشكال. وكل أحد فقيه نفسه في هذا المجال، وربما تعدى بعض أصحاب هذه الطبقة طوره، فحسن ظنه بنفسه، ودخل في الكلام فيه مع الراسخين. ومن هنا افترقت الفرق، وتباينت النحل، وظهر في تفسير القرآن الخلل.

[ثانيا: ينبغي على الناظر في القرآن أن يعتمد في ذلك على من تقدمه]

وله في ذلك سعة إلا فيما لا بد له منه وعلى حكم الضرورة، وما زال السلف الصالح يتحرجون من القول في القرآن، فإن المحظور فيه شديد جدا، وهو خوف التقوّل على الله تعالى.

[ثالثا: أن يكون على بال من الناظر والمفسر والمتكلم على القرآن أن ما يقوله من التفسير هو قول بلسان بيانه]

هذا مراد الله من هذا الكلام، فليتثبت أن يسأله الله تعالى: من أين قلت عني هذا؟ فلا يصح له ذلك إلا ببيان الشواهد وإلا كان باطلا، ودخل صاحبه تحت الوعيد الشديد الوارد في أهل الرأي المذموم.

ولذلك احتاط السلف في الكلام على القرآن أيما احتياط، مع ما كانوا عليه من العلم.

عن مسروق الهمداني قال: «اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله».

وعن إبراهيم النخعي قال: «كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه».

وهذا الأصمعي وجلالته في علم اللغة وإمامته معروفة قد نقل عنه أنه لم يفسر قط آية من كتاب الله، وإذا سئل عن ذلك لم يجب.

<<  <   >  >>