للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هل هناك زيادة في القرآن

وننتقل -أيها الأبناء الأحباء- إلى ظاهرة من الظواهر من الظواهر التي كثر الجدل حولها، وكثر الكلام فيها، وهي ظاهرة الزيادة: هل هناك كلام زائد في كتاب الله -سبحانه وتعالى؟

هذه القضية التي شغلت علماء العربية والشريعة، وتناولوها وتحدثوا فيها كثيرًا، ولا بد -قبل أن نعرضها ونعرض وجه نظر العلماء فيها- أن نقف مع المصطلح نفسه، ونبين أمرًا -يجب عليك أيها الطالب النجيب وأيتها الطالبة الأريبة- أن تنتبهوا له أن الخلاف في هذه المسألة لا يعدو أن يكون خلافًا لفظيًّا. فإن سألت: كيف هذا؟ أقول: سأوضح لك أيها الأبن الحبيب وأيتها الأبنة الكريمة هذا.

فمنشأ الخلاف في هذه الظاهرة ابتداءً هو الخلاف في المصطلح بين أهل كل فن، فكثيرًا ما يقع البلاغيون في النحاة بسبب اختلافهم في تناول المصطلحات. أهل النحو عندما يطلقون مثلًا في كلامهم كلمة فضله، لا يعنون به ما يستغنى عنه، وإنما يعنون بالفضلة ما ليس ركنًا أساسيًا في الجملة، فإذا قالوا: إن الحال فضلة لا يعني ذلك أن الحال يستغنى عنها في الكلام، وإلا لوجدوا من يعترض عليهم اعتراضًا شديدًا بقوله تعالى: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} (آل عمران: ١٩١)، أو {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} (الأنبياء: ١٦)، فإذا ما حذفت الحال مثلًا في هاتين الآيتين كان الكلام جحودًا لخلق الله عز وجل لهذه المخلوقات -عياذًا بالله- ففسد المعنى. وأنى للنحاة أن يقصدوا هذا المقصد، وكذلك في باب المفعول عندما يقولون: إن المفعول فضلة لا يعنون الاستغناء عنه، وإنما يعنون به أنه ليس ركنًا أساسيًا، فلا وجه لاعتراض البلاغيين عليهم بقولهم: المفعول عندنا ليس فضلة؛ لأنك إذا قلت: أضربت زيدًا إنما تنكر ضربك للمفعول، فهو أساس الكلام الذي ينبني عليه.

<<  <   >  >>