للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالهند مثلًا بلغت شأنًا كبيرًا في الحضارة والمدنية، وشأوًا بعيدًا، ولا زال أغلب سكانها إلى الآن يعبدون الأبقار، وروسيا والصين مبلغًا مبلغًا عظيمًا من الرقي الحضاري، والاكتشاف التكنولوجي، ومع ذلك فجمهور السكان لا يؤمنون بالله، ولا يعترفون بوجود الخالق؛ إذًا فليس هناك جامع مشترك في الارتباط بين التخلف والأساطير الخرافية.

وأما عن الدليل الثالث: وهو الفهم الخاطئ للآيات من سورة الأنعام في قصة محاجة إبراهيم -عليه السلام- لعبدة الكواكب؛ فهي أوهى من سابقيها وأبسط من أن يرد عليها؛ إذ ليس المقصود من الآيات.

كما ذهب العقاد والهاشمي وغيرهم من المستشرقين: أن إبراهيم -عليه السلام- وهو النبي المعصوم كان شاكًّا في عقيدته، أو تطور من عبادة الكواكب إلى التوحيد، وإنما وجد إبراهيم -عليه السلام- قومًا يعبدون هذه الأشياء ويقدسونها، فأراد أن يقيم الأدلة الحسية على بطلانها بطريقة التدرج إلى الإيمان، وبأسلوب المجاراة الذي يوهم الخصم بأنه معه فيما يعتقد بشرط مسبق، وهو أن الإله الذي يجب الإيمان به إذا ظهر لا يأفل، ولا يغيب، فلم يتحقق هذا الشرط في شيء من آلهتهم التي يعبدونها؛ فتوجه بهم بعد ذلك إلى الإيمان الحق بالخالق المبدع؛ لهذا الكون بعد أن أبطل عقيدة الإيمان بالكواكب، والقمر والشمس؛ لأنها أشياء تغيب، وتزول، ولا يصح للإله أن يغيب، أو يزول؛ فإبراهيم -عليه السلام- لم يكن ينظر، ويبحث ليصل إلى التوحيد، وإنما كان يناظر، وفرق بين النظر والمناظرة.

وتلك حجة الله على لسان إبراهيم، كما جاء ذلك واضحًا في أول الآيات وآخرها: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} (الأنعام: ٧٥). وفي آخرها: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ

<<  <   >  >>