للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاس على ذلك التوسل بذاته بعد وفاته، وأتى نتيجة لذلك برأي غريب وعجيب لم يقل به أحد من المشتغلين بالعلم، حتى من المغرقين في التقليد والجمود والتعصب والابتداع في الدين.

ولكي لا يظن أحد أننا نتقول عليه أو نظلمه ننقل نص كلامه بتمامه، ونعتذر إلى القراء لطوله، قال: " وإذا علمت أن التبرك بالشيء إنما هو طلب الخير بواسطته ووسيلته علمت أن التوسل بآثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر مندوب إليه ومشروع، فضلاً عن التوسل بذاته الشريفة، وليس ثمة فرق بين أن يكون ذلك في حياته - صلى الله عليه وآله وسلم - أو بعد وفاته، فآثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وفضلاته لا تتصف بالحياة مطلقاً، سواء تعلق التبرك والتوسل بها في حياته أو بعد وفاته، ولقد توسل الصحابة بشعراته من بعد وفاته كما ثبت ذلك في صحيح البخاري في باب شيب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.

ومع ذلك فقد ضل أقوام لم تشعر أفئدتهم بمحبة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وراحوا يستنكرون التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته، بحجة أن تأثير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد انقطع بوفاته، فالتوسل به إنما هو توسل بشيء تأثير له البتة. وهذه حجة تدل على جهل عجيب جداً، فهل ثبت لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تأثير ذاتي في الأشياء في حال حياته حتى نبحث عن مصير هذا التأثير بعد وفاته؟ إن أحداً من المسلمين لا يستطيع أن ينسب أي تأثير ذاتي في الأشياء لغير الواحد الأحد، ومن اعتقد خلاف ذلك يكفر بإجماع المسلمين كلهم ... فمناط التبرك والتوسل به أو بآثاره - صلى الله عليه وآله وسلم - ليس هو إسناد أي تأثير إليه، وإنما المناط كونه أفضل الخلائق عند الله على الإطلاق، وكونه رحمة من الله للعباد، فهو التوسل بقربه - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى ربه وبرحمته الكبرى للخلق، وبهذا المعنى توسل الأعمى به - صلى الله عليه وآله وسلم - في أن يرد عليه بصره، فرده الله عليه، وبهذا المعنى كان الصحابة يتوسلون بآثاره وفضلاته دون أن يجدوا منه أي إنكار. وقد مر بيان

<<  <  ج: ص:  >  >>