للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخاطب الرسول فيقول:

فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم

هذا معناه سويناه مع رب العالمين، صحيح ما قلنا والحمد لله أنه محمد ابن الله كما قالت النصارى في نبيهم، لكن قلنا ما يساوي ذلك أو يزيد عليه، حيث قال هذا القائل غفر الله لنا وله:

فإن من جودك الدنيا وضرتها

لنقف قليلاً في هذا المعنى من الشعر، ما معنى: فإن من جودك الدنيا؟

جاء هناك في الحديث أنه عرضت عليه الجبال أن يقلبها ربنا عز وجل عليه ذهباً فأبى، وقال جبريل عليه السلام له: كن عبداً نبياً ورسولاً، ولا تكن ملكاً، فرضي بذلك ولم يقبل أن الله عز وجل يقلب له الجبال ذهباً، كلام سليم، فإن من جودك الدنيا، لكن ما معنى العطف المذكور: فإن من جودك الدنيا وضرتها؟ ما هي ضرة الدنيا؟ بلا شك هي الآخرة، هل جاد الرسول عليه السلام بالآخرة؟ هل يتصور أن يجود بالآخرة وأن يعرض عنها كما أعرض عن الدنيا؟

هذا أمر مستحيل؛ لأن الله عز وجل يقول في القرآن الكريم: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يونس: ٢٦) (للذين أحسنوا الحسنى) أي: الجنة، (وزيادة) رؤية الله في الآخرة، هذا النعيم الأكبر، إذا شاهد المؤمنون ربهم يوم القيامة نسوا كل نعيم الجنة، ذلك أشهى لديهم في الآخرة، كيف يقال: إن الرسول أعرض عن الدنيا وضرتها، جاد بها وأعرض عنها؟

إذا وقفنا عند الدنيا كلام معقول، لكن أن نعطف عليها أيضاً الآخرة هذا أمر خطير جداً جداً، ولكن مع الأسف هذا أسلوب الشعراء، أسلوب الشعراء أن يغالي

<<  <  ج: ص:  >  >>