للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدعون للأحياء، وإنْ وردت به آثار (١)، فليس لأحدٍ أن يطلبَ منهم ذلك، ولم يفعل ذلك أحدٌ من السَّلف؛ لأنَّ ذلك ذريعةٌ إلى الشِّرك بهم، وعبادتهم من دون الله تعالى، بخلاف الطلب من أحدهم في حياته، فإنه لا يُفْضِى إلى الشرك، ولأن ما تفعله الملائكة ويفعله الأنبياء والصالحون هو بالأمر الكوني؛ فلا يؤثِّرُ فيه سؤال السائلين، بخلاف سؤال أحدهم في حياته؛ فإنه يشرع إجابة السائل، وبعد الموت انقطع التكليف عنهم".

والخلاصة: أن طلب الدعاء والشفاعة ونحو ذلك من الأنبياء والصالحين بعد موتهم لا يجوز؛ لأنَّه شِرك، أو ذريعةٌ إلى الشِّرك، وهذا هو الوجه الأول من الوجهين الدَّالَّين على ذلك.

والوجه الآخر: أن ذلك يعني عند الطالبين أن الأنبياء والصالحين يسمعون طلبتهم، وإلا كان دعاؤهم ومناداتهم بذلك سخفا جليًّا، وضلالاً بيِّناً، وهذا مما يترفع عنه العاقل، بله المؤمن؛ لأنه باطل بداهةً وفطرة، وبذلك احتج الله على المشركين في مواطن كثيرة من القرآن، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ

اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ

بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا}؟! (الأعراف: ١٩٤ - ١٩٥)؛ ولذلك كانت حجة إبراهيم على أبيه وقومه: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} (مريم: ٤٢) وقال: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ، قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ، قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ، أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ، قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}


(١) كأنه يشير إلى الحديث السابق. [منه]

<<  <  ج: ص:  >  >>