للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن دلالتها الظاهرة إلى المعاني المخترعة المبتدعة والتي يذهب إليها كثير من علماء الكلام المعروفين بانحرافهم عما كان عليه السلف الصالح من الإيمان بآيات الصفات كلها وأحاديث الصفات كلها، دون أي تحريف أو تأويل.

وقد تواتر أو على الأقل اشتهر عن الإمام مالك رحمه الله أنه جاءه رجل فقال: يا مالك! الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟، فكان جوابه رحمه الله أن قال: الاستواء معلوم، يعني: لغةً، وهو العلو، الاستواء لغة معناه العلو، هكذا يعني الإمام مالك بقوله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والسؤال عنه أي: عن الكيف بدعة، فالإمام مالك رحمه الله يقرر في جوابه هذا للسائل العقيدة السلفية الجامعة لكل صفات الله عز وجل، فهي تثبت كما جاءت وبالمعنى الثابت لغة ولكن لا [يجوز] تمثيلها وتشبيهها؛ لأن الله عز وجل يقول في القرآن الكريم: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:١١) ففي الآية نفي وهو تنزيه (ليس كمثله شيء) وفي الآية إثبات لصفتين من صفات الله عز وجل وهو أنه سميع بصير، فسمعه لا يشبه الأسماع، وبصره لا يشبه الأبصار، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.

كذلك بهذه الآية حين قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:١١) ننفي عنه مشابهته للحوادث، ومشابهة الحوادث له، ولكن ذلك لا يعني أن ننفي عنه الصفات التي أثبتها تبارك وتعالى لنفسه.

ومن هنا جاء انحراف الذين انحرفوا عن طريق السلف الصالح وهو من عدم جمعهم بين التنزيه والتثبيت للصفات، لأن الآية نفت وأثبتت، نفت شيئاً وأثبتت شيئاً، فلا يكون الإيمان بالله عز وجل إلا بالإيمان بهذين الأمرين اللذين ذكرهما

<<  <  ج: ص:  >  >>