للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استوى بشر على العراق بمعنى استولى، هكذا يفسرون الآية الكريمة: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:٥) معناه عندهم استولى، وهم حينما يفسرون هذا التفسير لا يتنبهون مع الأسف الشديد إلى أنهم صح فيهم المثل العامي: كان تحت المطر صار تحت المزراب؛ لأنهم بزعمهم نزهوا الله من أن يكون فوق المخلوقات بزعمهم أن هذا لا يليق بالله عز وجل، لأننا إذا قلنا: إنه فوق المخلوقات حصرناه بمكان، هذه شبهتهم وسنأتي على إبطالها قريباً إن شاء الله، ففراراً من هذا الزعم الذي زعموه أنه يلزم من وصف الله بأنه فوق المخلوقات تحييزه بمكان فروا بزعمهم من هذا فوقعوا فيما هو شر منه، وذلك حينما فسروا استوى بمعنى استولى، فإن معناه أن الله عز وجل قبل ذلك لم يكن مستولياً، لأنه في بعض الآيات المتعلقة باستواء الرب على عرشه قال تعالى: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الأعراف:٥٤) وكلنا يعلم أن «ثم» تفيد التراخي، فبعد أن خلق السماوات والأرض استولى على العرش، ومعناه أنه قبل ذلك لم يكن مستولياً، ولازم هذا أنه كان عاجزاً عن الاستيلاء شأن الخالق الأكبر سبحانه وتعالى كشأن بشر الذي ضربوا به المثل، فقالوا في الشعر:

استوى بشر على العراق

هذا بلا شك معناه لم يكن قبل ذلك مستوياً، ولماذا؟ لأنه لم يكن قادراً على الاستيلاء، فلذلك قال:

استوى بشر على العراق بغير سيف ودم مهراق

فكلمة استوى بمعنى استولى فيه تعجيز لرب العالمين لم يتنبهوا له، لأنه «ثم استوى» أي: ثم استولى، وقبل ذلك ماذا كان؟ كان غير مستولٍ مع أن المسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>