للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكون إلا شيء [إما] هذا العالم المخلوق، [وإما] شيء خارج العالم المخلوق، وليس هو إلا الله تبارك وتعالى.

فإذا عرفنا هذه الحقيقة عرفنا بالتالي يقيناً أنَّ لا ضرورة لتأويل الآية {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:٥) فلا نقول: استوى بمعنى استولى، لا نقول هكذا: وإذا قلنا استوى بمعنى استعلى ليس معنى ذلك أننا جعلنا لله مكاناً، لأن المكان في الخلق والله وراء الخلق وفوق الخلق.

لذلك نجد الأحاديث فضلاً عن الآيات الكثيرة تؤكد هذه الصفة الإلهية، أن الله عز وجل فوق خلقه، ونجد أن إنكار الفوقية هي طبيعة الملاحدة قديماً وحديثاً، فنعي مثلاً إلى قول فرعون حين قال لوزيره هامان: {ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} (غافر:٣٦، ٣٧) يكذب موسى عليه الصلاة والسلام، ويريد أن يكذبه ببرهان مادي يخيل به على أتباعه الذين ألَّهوه من دون الله تعالى، بأن يبني قصراً شامخاً رفيعاً ممتداً هكذا في السماء، ماذا يعني بهذا البناء الشاهق الرفيع؟ قال: لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى الذي يقول، ماذا يقول موسى؟ أن الله فوق، وإني لأظنه كاذباً، سأبني هذا البنيان الشامخ الرفيع ثم لا أجد الإله الذي يدعوكم موسى إلى عبادته من دوني، ...

إذاً: هذه الآية فيها إثبات حقيقة وهي التوحيد ووجود الله عز وجل، وإثبات من كان ينكر هذه الحقيقة، هذه الآية فيها إثبات أن الأنبياء والرسل وفي مقدمتهم موسى عليه الصلاة والسلام كان يثبت لله صفة الفوقية، وصفة العلو والاستعلاء على عرشه، وأنه دعا موسى فرعون وجنده إلى أن يؤمنوا بهذا الإله الموصوف بصفة الفوقية، فكذبه موسى بقوله: وإني لأظنه كاذباً.

<<  <  ج: ص:  >  >>